ليس من باب الصدفة ابداً أن تُصدِر المحكمة العسكرية حكماً ثانياً بحق الشيخ العرسالي ​مصطفى الحجيري​، بعد أربع وعشرين ساعة على إنجاز صفقة تبادل العسكريين الذين خطفتهم "جبهة النصرة" الإرهابية يوم غزوة عرسال في الثاني من آب عام 2014، وبعد إثني عشر يوماً فقط على إصدارها الحكم الأول بحقه، حكم الأشغال الشاقة المؤبدة بتهمة الإنتماء الى "جبهة النصرة".

بين سطور هذه السرعة في إصدار الحكم الأول والثاني الذي نصّ على سجن الحجيري لسنة وشهر بتهمة الإتجار بالأسلحة، يمكن للقارئ أن يتأكد من أن الصدفة لم تلعب دورها الزمني على الإطلاق. وفي هذا السياق تكشف المعلومات أنّ عدداً من الوزراء والنواب، بدأوا يعملون في الكواليس ومنذ اللحظة الأولى على إتمام صفقة التبادل في جرود عرسال، على تسوية الملف القضائي للشيخ الملقّب بأبو طاقية، وذلك بعدما رفض المدير العام للأمن العام اللواء ​عباس ابراهيم​ تلبية طلب "جبهة النصرة" القائل بإضافة تسوية ملف الحجيري الى صفقة التبادل.

من هذه المعلومة، ينطلق العارفون في كواليس المحكمة العسكرية لتفسير تهافت بعض السياسيين يوم التبادل على شكر الحجيري على ما قام به في ملف العسكريين. شكر كان بمثابة المقدمة التي تساعدهم فيما بعد على تسويق تسوية ملف الحجيري القضائي، تحت حجة أن تواصله مع "النصرة" وأميرها في القلمون أبو مالك التلي خلال الفترة الماضية، كان بطلب من وزير الصحة ​وائل أبو فاعور​. أما التسوية التي يراهن هؤلاء السياسيين على إبرامها مع القضاء العسكري فيشرحها القانونيون على الشكل التالي: "بما أن إبطال الأحكام الصادرة بحق الحجيري لا يمكن أن يصدر إلا عن المحكمة العسكرية التي حكمته أساساً، يتم الإتفاق السياسي على ذلك، فتُعيّن جلسة لإعادة المحاكمة يحضرها الحجيري ويتم الإستماع خلالها الى إفادته، على أن يصدر الحكم في اليوم ذاته ببراءته أو بوقف التعقبات بحقه".

في مقابل السياسيين الذين يعملون على تبييض سجل الحجيري العدلي، هناك فريق سياسي أول حرف من إسمه "حزب الله"، يرفض رفضاً قاطعاً حتى الحديث عن هذا الأمر، ومن هنا جاء التسريع في إصدار الأحكام وقبله رفض تسوية الملف عبر الصفقة. رفض مرتبط مباشرة بحسب المصادر المتابعة بعلاقة الحزب مع قاعدته الجماهيرية لا سيما في خزانه البشري منطقة بعلبك-الهرمل.

وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة على موقف الحزب: "بالإضافة الى تحميل عائلتي الشهيدين ​علي البزال​ و​محمد حمية​ مسؤولية تصفية نجليهما مباشرة الى مصطفى الحجيري، بات للشيخ العرسالي سجل أمني حافل مع أهالي البقاع. ومن صفحات هذا السجل، حادثة السادس عشر من تموز 2013، التي كمن فيها مجهولون من عرسال لأربعة شبان من آل جعفر وأمهز وحيدر في وادي رافق وقتلوهم، الأمر الذي دفع أهالي اللبوة والنبي عثمان، وبعد حصولهم على معلومات أمنية، الى إصدار لائحة سوداء للتصفية والأخذ بالثأر. لائحة ضمت أسماء المتورطين في كمين وادي رافق، إما عن طريق ضلوعهم في التنفيذ وإما عبر المشاركة في التخطيط، وهم رئيس البلدية علي الحجيري، الشيخ عمر الأطرش (الموقوف بتهم إرهابية)، عمر الأطرش الذي قضى بعدما انفجرت أو فُجّرت فيه عبوة في جرود عرسال عقب إطلالة تلفزيونية، والشيخ مصطفى الحجيري الملقب بأبو طاقية".

إذاً شد الحبال عل تسوية ملف الحجيري القضائي، إنطلق، فهل ستكون الغلبة للعدالة والقانون أم للسياسة وزواريبها الطائفية؟