من أكثر الأمور اثارة للسخرية ومدعاة للضحك ان تسمع تهديد السعودية ضد سورية باستعمال القوة العسكرية للإطاحة بالحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد. ومع علمنا ان السعودية لم توفر وسيلة لدعم الإرهاب في سورية وحشد الإرهابيين وتسليحهم الا وقامت بها حتى وأنها كانت المسؤول المباشر عن واحدة من الخطط الأربع التي استهدف العدوان بها سرية والتي اسميت خطة بندر المنسي حاليا.

واليوم وفي معرض التحرك الغربي خاصة الفرنسي الذي لسعه الإرهاب واجبره على مراجعة سياسته حيال سورية ودفعه للتراجع عن عنتريات وتهديدات وشروط كان منها "تنحي الرئيس الأسد عن المنصب الذي وضعه الشعب السوري فيه"، تراجعا يبدي فيه تخليه عن شروطه واستعداد فرنسا للعمل مع الجيش العربي السوري لمحاربة الإرهاب، لان الطيران – كما استفاق الاميركيون مؤخرا عليه – لا يمكنه من دون قوات برية تحقيق المهمة في محاربة داعش. في معرض كل ذلك ومع الدعوة الى تشكيل القوات البرية تلك بقيادة اميركة فعلية وقد تكون قيادة ظاهرة أخرى تمارس الامرة الشكلية، في معرض ذلك تبدي السعودية استعدادها لتكون أساسا في هذه القوة التي تتولى حسب رغبتها إزاحة الرئيس ومحاربة داعش في الان نفسه في عمل يتزامن – كما تدعي – مع توحيد المعارضة السورية لحملها على اختيار من يمثلها لتولي الشأن في "سورية الجديدة".

الخيال السعودي المنفصل عن الواقع كليا حمل صاحبه الى تخطي الكوارث التي حلت به، كوارث متعددة العناوين والمضامين من استراتيجية وعسكرية وسياسية ومالية. ويتناسى المسؤول السعودي (هذا إذا كان هناك مسؤول او حاكم يتولى الشأن السعودي ولم يكن هناك جوقة لكل واحد من افرادها نغم لا يتآلف مع زميله في إدارة الشأن) يتناسى ان السعودية فقدت دورها وسقطت عن عرشها الذي تربعت عليه منذ العام 1967، وبات فضاؤها الاستراتيجي في ضمور متلاحق وان المخاطر التي تحدق بها تفوق قدرتها على الاحتمال.

ففي الداخل صراع و تناحر في صفوف العائلة المغتصبة للسلطة و لثروات البلاد ، و على الحدود مع اليمن انهيارات ميدانية لا تغطي عليها الوحشية التي تمارسها ضد المدنيين المبنيين قصفا من طائرات صنعت في أميركية و تقصف باسم بني سعود ، و في العراق بات وجودها محصورا في بعض الاوكار الارهابية التي تسمح داعش بوجود الوهابية السعودية فيها مقابل ما تقدمه السعودية من خدمات ، و في لبنان و مقابل الخطر الذي باتت تتحسسه فيه و احتمال الإطاحة بنظام الطائف الذي حول لبنان الى مستعمرة سعودية ، و لمواجهة هذا الخطر بادرت الى ترشيح احد اركان معارضيها لرئاسة الجمهورية ممنية النفس بالاحتفاظ بالسلطة في مناورة لا يبدو ان تمريرها سهل حتى الان .

السعودية التي تنهار قواتها البرية على الحدود مع اليمن ، و التي طردت من خط الدفاع الأول على جبهة نجران و جيزان وعسير على جبهة طولها اكثر 165كلم ، السعودية التي يفر جنودها من مواقعهم بعد الانهيار المعنوي في صفوفهم و بعد ان ادركوا حجم خسارتهم حتى الان والتي تعدت على ما تسرب من داخل دوائر الحكم السعودي نفسه تعدت ال 2000قتيل و 7000جريح و تدمير مئات العربات المدرعة و المدولبة و اغراق عشرات الزوارق و السفن و اسقاط عشرات الطائرات في كلفة اجمالية للخسائر تعدت الى 200 مليار ريال ( 56 مليار دولار) و كلفة يومية تعدت ال 750 مليون ريال ، ما تسبب معطوفا على الفساد و السرقة المنظمة بتجفيف الخزينة السعودية ، السعودية التي هذه حالها تدعي انها تريد ان تقود عملية برية هجومية ضد الرئيس الأسد ... انها السخرية كلها جوهرا و شكلا.

و الان و مع إعادة التموضع الدولي الذي فرضه أولا الصمود السوري الأسطوري ، ثم الدفاع المحكم و الشجاع الذي اداره محور المقاومة بثلاثيته السورية و الإيرانية و المقاومة ، ثم التحول الى امتلاك منهج لزمام المبادرة و القيام بمؤازرة مؤثرة و فعالة من القوات العسكرية الروسية بعمليات الهجوم التطهيري و استعادة الأرض التي افسد الإرهابيون امنها ، مع هذه التحولات تجد السعودية ان شمس سيطرتها و سطوتها في العالمين العربي و السلامي بدأت بالأفول و لذلك تتصرف بانفعال و تضعضع و ارتباك فتنزل قناة تلفزيونية هنا عن العربسات الذي تتحكم بقراره (كما فعلت مع قناة المنار و الميادين) لترهب الاعلام، و تلوح بإعدام معتقلين سياسيين و تستأجر مرتزقة من هذا الجيش او ذاك ، و تبتز هذه الجهة او تلك برشوة او ترهيب و تعرض على هذه الدولة او تلك عقد صفقات الأسلحة بمليارات الدولارات ظنا منها ان بإمكانها شراء قرارها كما تحاول مع روسيا ( تعرض شراء صفقة سلاح ب 6 مليار دولار ) دون ان تعلم ان القرارات الاستراتيجية للدول العظمى ليست سلعة تشرى بمال و لكن التخبط و الارباك السعودي نتيجة الخسائر المتفاقمة يدفع أصحابه الى هذه السلوكيات الهستيرية . اما الحقيقة التي يجب تعلمها السعودية ولكنها تصر على التهرب منها فيمكن اختصار بعض خطوطها بالتالي:

1) ان العالم كله أدرك بان العدوان على سورية فشل، وان المعتدين الرئيسيين بدأوا يفتشون عن مخارج مما وقعوا فيه، ويبحثون عن أبواب تدخلهم الى دمشق علهم يحظون بمقابلة الرئيس الأسد الثابت في قلب الشعب السوري كما ولدى الاحرار في العالم، وبالتالي الثابت في قيادة سورية يتحرك بسفينتها الى بر الأمان. اما القوات البرية التي تظن السعودية انها ستدخلها الى سورية فأنها ستبقى حبرا على ورق يثير سخرية المطلعين.

2) ان هناك نظاما إقليميا جديدا أرسى اركانه في المنطقة وهو الأساس الذي يقوم عليه النظام العالمي الجديد البعيد عن الأحادية القطبية، وان السعودية المثخنة بالجراح لن تستطيع ان تشغل في هذا النظام المقعد الذي احتلته لخمسة عقود، لان هناك محورا لا تنتمي اليه بل تعاديه قد انتصر واحتل مكانها المتقدم في هذا النظام.

3) ان محور المقاومة الذي تناصبه العداء، بات رقما صعبا في المعادلة الدولية، وركنا متقدما في المنظومة الإقليمية، محور منفتح على مكونات دولية وإقليمية جديدة، لا تستطيع السعودية التأثير على خطه الصاعد ولن ينفعها ادراج عناصر او اشخاص من هذا المحور على لائحة إرهاب هي تموله او إنزال قناة عن قمر صناعي تتحكم به. فإجراءاتها السطحية لا تنال باي حال من قوة هذا المحور الذي تتقاطر قوى عالمية كبرى الى ابوابه لتقيم العلاقات الاستراتيجية معه.

وحتى تدرك السعودية هذه الحقيقة – ولا نعتقد انها ستفعل او بمقدورها ان تفعل – حتى ذلك الحين ستبقى مربكة تتخبط تتخذ القرارات التي تغرقها أكثر في يم من الخسائر المركبة لا تعرف كيف تمخر سفنها بين امواجه المتلاطمة.