نجحت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في إسقاط كل التوقعات، فاستمرت وتواصلت المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال، وكذلك عمليات الشباب والشابات ضد جنود العدو والمستوطنين، دون توقف، وذلك في مشهد يؤشر إلى أن الشعب العربي الفلسطيني أحبط كل خطط الاحتلال لإخماد انتفاضته ومقاومته المتجددة بروح الجيل الجديد من أبناء فلسطين الذين لم تنجح كل وسائل الدعاية الصهيونية وثقافة الاستسلام للأمر الواقع في تدجينهم وجعلهم يتخلون عن مواصلة نضال آبائهم وأجدادهم ضد المحتل الغاصب لأرضهم.

فكانت انتفاضتهم مفاجئة لعدوهم، كما كانت مفاجئة للقوى الفلسطينية على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها السياسية، وهو ما جعل الانتفاضة خارج السيطرة وقادرة على الاستمرار ورسم طريق جديد للنضال الوطني الفلسطيني، دفعت الفصائل الفلسطينية المختلفة إلى السير خلفها، فبات الجميع منفعلين وليسوا فاعلين، في حين أثبت الجيل الجديد من شباب فلسطين أنه قادر على حمل الراية وقيادة مسيرة النضال الوطني الفلسطيني وانتزاع المبادرة في ذلك، وعدم انتظار استفاقة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من كابوس أوسلو، أو انتظار قيام الفصائل الأخرى بتنكب مسؤولية قيادة النضال المسلح والشعبي ضد المحتل.

وبدا من الواضح أنه مع دخول الانتفاضة في شهرها الرابع دون توقف، ارتفع منسوب ووتيرة عمليات الطعن والدهس ضد جنود العدو ومستوطنيه على الرغم من إقدام سلطات الاحتلال على نشر أكثر من 35 ألف جندي في الضفة الغربية وتحويلها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، واعتماد سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في أعقاب كل عملية تنفذ، وإقدام الجنود الصهاينة على تنفيذ عمليات الاغتيال بحق بعض نشطاء الانتفاضة وإعدام منفذي العمليات مباشرة بطريقة وحشية، إثر كل عملية طعن أو دهس يقوم بها شاب أو شابة، ويؤشر ذلك إلى فشل كل هذه السياسات التعسفية الإرهابية الصهيونية في إخماد الانتفاضة أو الحد من تزايد زخمها واستمرار عملياتها.

وبالتوقف أمام حصاد الانتفاضة خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة يمكن تسجيل الآتي:

- تطور في عمليات شباب الانتفاضة، كماً ونوعاً، وخصوصاً في الأسبوع الأخير من الشهر الفائت حيث نفذت عملية طعن مزدوجة، وسجلت نسبة مرتفعة في العمليات وارتقاء في الأداء المقاوم.

- سجل تنفيذ نحو 200 عملية طعن بسكين أو دهس بسيارة أدت إلى مقتل 24 جنديا ومستوطنا، وجرح ما يقارب 340 آخرين.

- اتساع رقعة الانتفاضة وعملياتها التي باتت تسجل كل يوم أو يومين عمليات طعن أو دهس في الضفة الغربية، ولا سيما في نابلس والخليل والقدس، وكل أسبوع تقريباً تسجل عملية في الأراضي المحتلة عام 1948. - ويؤشر هذا الحصاد ليس فقط إلى تصاعد ملحوظ في العمليات بل وأيضاً إلى مستوى الاقدام والاستعداد للتضحية لدى الشباب الفلسطيني، فهم يقبلون على تنفيذ عملياتهم في طعن جندي مدجج بالسلاح، دون خوف أو تردد ويعرفون أن مصيرهم، بعد تنفيذ العملية، سيكون إما الشهادة، أو الوقوع في أسر الاحتلال.

- وفي مقابل هذا الاقدام والاستعداد للتضحية لدى الجيل الجديد فان الجنود والمستوطنين الصهاينة يشعرون بالخوف والقلق على حياتهم على الرغم من أنهم يمتلكون السلاح، وسط خشية أجهزة الأمن الإسرائيلية من توسع وتطور الانتفاضة وإقرارها بالفشل في وقف أو الحد من العمليات الفدائية.

وما يزيد من قلق قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية هو عدم معرفة الجهات التي تقف وراء هذه العمليات المتواترة، وهو ما يدفع المعلقين الصهاينة، مثل عاموس هرئيل إلى القول في مقالة في صحيفة هآرتس إن «القسم الأكبر منها (العمليات) مازال يتم تنفيذه بمبادرة شخصية حتى في الحالات القليلة التي كان فيها المنفذ عضواً معروفا في أحد التنظيمات، لكن يتضح لاحقاً أنه نفذ العملية بقرار شخصي، وليس بناء على توجيهات من التنظيم الذي ينتمي إليه».

ويبدو من الواضح أن سر استمرار الانتفاضة الثالثة وتطورها، رغم الظروف الصعبة والمعقدة التي تحصل فيها تحت الاحتلال، إنما يكمن في العناصر الآتية:

العنصر الأول: المحافظة على السرية، قبل وخلال وبعد تنفيذ الشباب أو الشابات لأي عملية، وهذه السرية هي التي تجعل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية غير قادرة على الإمساك بطرف خيط للوصول إلى الجهات التي تقف وراء هذه العمليات.

العنصر الثاني: الأسلحة المستخدمة في العمليات هي من النوع الذي يصعب منع استخدامه أو امتلاكه من قبل أي إنسان، فالسكين، أو السيارة هي وسائل يستعملها كل إنسان في بيته وفي الشارع.

العنصر الثالث: عنصر الشباب الذين ينفذون العمليات، ينتمون إلى الجيل الجديد وليس لديهم أرشيف أمني لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية، ولا حتى أجهزة السلطة الفلسطينية.

إن مثل هذه العناصر المهمة هي التي تفسر لنا نجاح الشباب في الوصول إلى أهدافهم والقيام بعملياتهم، وبالطبع يؤدي كل ذلك إلى انكشاف عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعدم قدرتها على حماية المستوطنين الصهاينة الذين باتوا في حالة قلق وسخط على المؤسسة الأمنية التي تحوز على موازنة ضخمة لأجل توفير الأمن والاستقرار لهم، ومع ذلك يعترف قادة هذه المؤسسة بصعوبة وقف عمليات الطعن والدهس، على الرغم من الانتشار الكثيف لجيش الاحتلال والشرطة وعناصر الأمن وزيادة الحواجز وتشديد الرقابة على كل المعابر وفي الطرقات والأماكن العامة والأسواق.