لا يمر يوم لا تطالعنا فيه وسائل الإعلام بأخبار اقتحام مستوطنين صهاينة للمسجد الأقصى، بحماية جيش الاحتلال، ولا يمر يوم، خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة، إلا ويتم فيه قتل فلسطيني، أو أكثر، برصاص جنود الاحتلال والمستوطنين.
وفي حين يواجه الفلسطينيون جزاريهم باللحم الحي، وبما ملكت أيمانهم من سكاكين وحجارة، وإطلاق أصوات التكبير، كـ"أضعف الإيمان"، نجد المملكة السعودية تقود تحالفاً عربياً يغزو اليمن ويدمّر مقدراته على رؤوس شعبه، لأنه يرفض الهيمنة السعودية، كما تحاول المملكة في الوقت نفسه إنشاء تحالف آخر يرفع شعار العداء للجمهورية الإسلامية في إيران و"حزب الله" في لبنان، في ظل تغييب أدوار الدول العربية الفاعلة، إما بفعل الحروب التي شُنّت وتُشنّ عليها، مثل العراق وسورية وليبيا، وإما بفعل الانشغال بالأمن الداخلي، مثل الجزائر وتونس، وإما بفعل الحاجة المادية؛ على غرار مصر والسودان.
منذ أن تواطأت المملكة السعودية في إنشاء الكيان الصهيوني؛ عندما وافق مؤسسها الملك عبد العزيز على "إعطاء فلسطين لليهود المساكين ليقيموا عليها دولة"، مروراً بانخراط المملكة في التصدي وإفشال المشروع الوحدوي العربي الذي قاده جمال عبد الناصر، وصولاً إلى ممارسة سياسة الإفساد والتآمر على فصائل المقاومة الفلسطينية، والتغطية على استئصالها من الأردن عام 1970، ثم طردها من لبنان عام 1982، استمر عداؤها لكل ما يمتّ إلى مقاومة "إسرائيل" والهيمنة الأجنبية، ليُترجم عداء لإيران و"حزب الله"، وباقي القوى المقاومة للمشروع الصهيوني.
جريمة إيران التي لن تغفرها أميركا والسعودية، أن شعبها أسقط "عرش الطاووس" الذي كان حليفاً لأميركا و"إسرائيل"، وبتلك الصفة كان متسيّداً على الخليج وحكامه، الذين لم يتورّع بعضهم عن تقبيل يديه والانحناء أمامه. وفيما تموضع حكام السعودية في الموقع المناوىء لكل من يعادي أميركا و"إسرائيل"، طردت الثورة الإسلامية في إيران السفارة "الإسرائيلية"، وأبدلت العلاقة مع العدو "الإسرائيلي" بتبنّي القضية الفلسطينية، حيث اعتبر الإمام الخميني أن "إسرائيل كيان سرطاني لا بد من استئصاله"، فكان لابد من إشهار العداء السعودي لإيران، وجُنّ جنون أتباع أميركا وأدواتها في المنطقة عندما فوجئوا بظهور "حزب الله"، ولم يعدموا وسيلة لمحاربة المقاومة وكل من يدعمها، فكانت الحرب على سورية، لأن قيادتها تمسّكت بخيارها المقاوم، وخرج أمراء وإعلاميون سعوديون يدعون إلى التحالف مع "إسرائيل"، وها هم يستبدلون عداءهم الشكلي لـ"إسرائيل" بالعداء لإيران، ويصفون أشرف ظاهرة عربية، وهي المقاومة، بأنها "إرهاب"، وبات واقعاً القول إن الموقفين "الإسرائيلي" والسعودي واحد.