يَسترجع سياسي «محنّك» على صلة بصناعة القرار السياسي والأمني في لبنان منذ ربع قرن، حين يسأله أحدهم من معشر أهل الصحافة والسياسة عن أمَد الفراغ الرئاسي، تفاصيل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بكثير من الدقة في السّرد، تبدأ من مطلع رحيل الرئيس السابق ميشال سليمان عن الحكم الى الآن.

يدعو المرجع سائليه إلى التفكير ملياً في موجبات تأليف حكومة سلام شبه الكاملة الأوصاف السياسية والمذهبية في تكوينها بقرار إقليمي ودولي أسقط على اللاعبين المحليين بكلّ أطيافهم وألوانهم ومحاورهم في خضمّ ذروة الإشتباك السياسي في لبنان والعسكري في سوريا.

ويتابع: منذ ذلك الحين كان الأطراف المعنيون يُدركون أنّ فراغاً مقبل على قصر بعبدا، فشاركوا جميعاً في ملئه بحكومة سلام، بإستثناء «القوات اللبنانية» التي ظنّت أنّ عمر الحكومة العتيدة سيكون قصيراً، و«بعض الظنّ إثم» على حدّ قول المرجع.

ويلفت إلى أنه حين أعلن فريق 8 آذار على لسان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله عن مرشحه العماد ميشال عون بعد أشهر من البوح بالأحرف الأولى للإسم، ذهب فريق 14 آذار مقترعاً لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من دون أن يتمكّن من تجاوز عتبة الفوز بالكرسي الأوّل.

وتوالت حلقات المسلسل الرئاسي، وازدادت رتابته مع إرتفاع أعداد الجلسات وعدم إكتمال نصاب الحضور.

إنها البرودة الانتخابية التي كادت تصل الى حدّ التجمّد الى أن حرَّك ركودها اللقاء الشهير بين عون والرئيس سعد الحريري في روما. غير أنها بدت مع مرور الوقت «حرارة» مصطنعة ما لبثت أن عادت الى هيئتها الأولى.

وما أن إقتربت حرارة المشهد الرئاسي من التجمّد مجدّداً، حتى عاد الحريري ليبث فيه حرارة بنكهة زغرتاوية بترشيحه النائب سليمان فرنجية من باريس هذه المرة بعد روما. حرارة بدت كأنها تخطت الطبعة الأولى من ترشيح «الموارنة الأقوياء»، ردَّ عليها جعجع بمثلها وأعلن خصمه التاريخي عون مرشحاً له.

فماذا بعد الجرعتين الرئاسيتين؟ وهل يدخل الإستحقاق في حال من الإغماء؟ ام أنّ رئيساً سيُدخِل الدفء الى قصر بعبدا ويجلس على كرسيه المتجمّد من الفراغ قريباً؟

عن هذه الاسئلة المتشعبة يمكن الإجابة بمحاولة رسم الخريطة مجدّداً:

الحريري أهمل ترشيح جعجع ورشّح خصمه التاريخي فرنجية، ليعود جعجع ويردّ الصفعة من «معراب» بترشيح عون.

أوساط «حزب الله» غمزت من باب إتهام الحريري بخطف الاستحقاق الرئاسي كرهينة، فيما كتلة «المستقبل» جدّدت إتهام «حزب الله» بتعطيل انتخاب الرئيس. أما جلسة الإنتخاب المقبلة في شباط فيبدو أنّ عون سيقاطعها لأنّ فرنجية لا يزال صامداً في ترشيحه.

وعليه إكتملت حلقة الفراغ الرئاسي، وأضيفت الى الممرات الإلزامية التي بدأت بعون، ممرات جديدة من «بنشعي» الى «معراب» وصولاً الى المختارة ومعها «بيت الوسط» المهاجر زعيمه قسراً، وليس إنتهاءً بعين التينة المقرّ والممرّ الدائمين لصناعة القرار.

وهكذا فإنّ الممرّات الإلزامية باتت عقبة في حدِّ ذاتها وأخذت تُعرقل بتمادٍ مشرَّع على شتى الاحتمالات، سَيْر الرئيس العتيد الى قصر بعبدا ليمرّ عليه فصل شتاء جديد، مُثقل بأسماء مستعارة لعواصف غربية وشرقية، قبل أن يزهر ربيع الرئيس العتيد. إلّا إذا جاءت الأعجوبة على وقع «ليالي الأنس السورية في فيينا»، وهذا ما لا يلوح في مرصد الممرات الإلزامية.