كان مصيباً مَن اعتبر أنّ تعقيدات الاستحقاق الرئاسي ستزيد بعد لقاء معراب. فالفوضى لا تزال سائدة والصورة لم تستقرّ بعد بسبب خلط الأوراق الحاصل، إلّا أنّ ذلك لم يحجب الرؤيا عن العقبات الجديدة التي بدأت ترتسم.

رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع حاول حصر المشكلة بموقف «حزب الله» وهو يحاول بذلك تحقيق هدفين: الأوّل توجيه رسالة الى السعودية من خلال محطة «العربية» بأنه نفّذ ضربته تحت سقف التفاهم الحاصل والسياسة المشترَكة بين الرياض و«القوات اللبنانية» وأنّه لا ينوي الخروج عن ذلك.

والهدف الثاني هو توسيع الفجوة عبر زرع الشكوك بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وتحقيق مزيد من التغلغل في قواعد «العونيين» تحت عنوان القتال في سبيل مصالح العماد ميشال عون.

لكنّ المسألة ليست بهذا التبسيط، إذ روت شخصية سياسية لبنانية تنتمي الى فريق «14 آذار» أنّها التقت ديبلوماسياً سعودياً خلال الأيام الماضية ولمست منه تركيزاً على مسألتين:

1 - حقيقة التقارب القواتي مع قطر ولا سيما على ضوء تصريح وزير الخارجية القطري المثير للجدل بعد ساعات معدودة فقط على لقاء معراب. والأهمّ تبرير جعجع له والذي جهد لوضعه في إطار عادي ومن دون خلفيات.

2 - مدى الضرر الذي لحق بمبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية ما يعكس الإصرار السعودي بعدم التسليم بما حصل.

أما الذين تواصلوا مع الرئيس سعد الحريري فلمسوا منه استياءه الشديد. بعض هؤلاء خرج بانطباع بأنّ الحريري واثق باستهداف جعجع له شخصياً إضافة إلى المشروع السياسي الذي يحمله.

وكان مستغرَباً إعلان عون عن الاتصال الذي أجراه هو بالحريري «الذي هنّأه بلقاء معراب» كما جاء في البيان. والإشارة الواضحة جاءت مع بيان ثانٍ صادر عن الحريري بعد دقائق معدودة يتحدث عن اتصال أجراه الحريري بفرنجية... الرسالة واضحة ولا تحتاج لأيّ تفسير. وجاء لقاء مدير مكتبه نادر الحريري بموفد جعجع عاصفاً في هذا المجال، إذ طوال ساعتين ونصف الساعة حصل تبادل للاتهامات وتراشق بالمسؤوليات عمَّن غدر بالآخر.

أمّا في المقلب الآخر، فلم تكن الصورة أفضل حالاً. صحيحٌ أنّ «حزب الله» اختار التزام الصمت والوقوف جانباً في انتظار جلاء الصورة، على أساس أنّ التنافس قائم بين مرشحين حليفين له، لكنّ أصواتاً معترضة بدأت بالظهور ومحورها الالتزام العلني للحزب.

وتردَّد أنّ التواصل الذي حصل بعيداً من الإعلام وبشكل غير رسمي بين محسوبين على «التيار» و«حزب الله» شهد تململاً من الأخير لقاء التشكيك الذي يدور همساً: «نحن مرتبطون بوثيقة تحالف عمرها أكثر من عشر سنوات وهي نجحت في تخطّي مصاعب كثيرة، فكيف لأحد أن يُشكّك في كلّ ما أُنجز». وقيل إنّ تواصلاً سيحمل الطابع الرسمي سيحصل مطلع الأسبوع بين «التيار» و«الحزب»، وأنّ التأييد العلني لترشيح العماد عون سيجري تأكيده مجدَّداً.

لكنّ «المونة» على موقف الرئيس نبيه برّي، فمسألة أخرى. إذ يُقرّ العارفون بصعوبة المهمة، وأنّ الانطباع السائد لدى البعض بأنّ الحزب قادر على فرض رأيه على حركة «أمل» هو انطباع خاطئ، وأنّ الشواهد كثيرة في هذا المضمار، ويبقى أبرزها تشكيل اللوائح في الانتخابات النيابية الاخيرة حيث عجز «حزب الله» عن إزالة الخلافات في أكثر من مقعد، ما اضطُره مثلاً الى التنازل عن حصته في إحدى المرات، لكنّ الخلاف بقيَ رغم خطره على نتيجة الاقتراع.

ويضيف هؤلاء أنّ جعجع نفسه وفي أكثر من مناسبة كان يشهد بالاستقلالية التي يحظى بها برّي في إطار التمييز بينه وبين «حزب الله». لكنّ مبعث القلق هو في مثلث «المستقبل» - «اللقاء الديموقراطي» و«التنمية والتحرير»، أيْ الحريري- جنبلاط وبرّي، تلك القوة النيابية الضاربة.

فالحريري تحدّث الى فرنجية مؤكّداً استمرار التزامه به كمرشح للرئاسة. أما النائب وليد جنبلاط فصحيح أنّه أعاد إحياءَ ترشيح النائب هنري حلو لكنّه على رغم «تهنئة» جعجع وشكر عون، بدا في بيانه أقرب الى فرنجية وهو ما يؤكده زواره.

أما برّي وعلى رغم وضعه شروطاً، منها انسحاب فرنجية لصالح عون، فتقول الحلقة القريبة منه إنّه يميل الى فرنجية وإنّه لن يتجاوب مع أيّ ضغوط ولو كانت من «حزب الله».

وجاء موقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ليشكّل أوّل صوت لموقع حزبي مسيحي معارض لخطوة معراب. صحيحٌ أنّه أوحى بأنه على مسافة من الجميع، لكنه انتقد مباشرة وبوضوح مواقف جعجع. ولا شك في أنّ الجميل إضافة إلى الشخصيات المسيحية المناطقية والمعروفة بالبيوتات السياسية، يخشيان من إلغاء دورهما وحضورهما.

معنى ذلك أنّ الحسابات لا تبشر بتأمين الغالبية المطلوبة. لذلك لا بدّ من سلوك درب حَمْل فرنجية على الانسحاب إن من خلال استعادة العلاقة الدافئة معه حيث تُطرح مثلاً زيارة عون شخصياً الى بنشعي وسلّة من الوعود مقابل الانسحاب، أو من خلال دفع «حزب الله» الى الضغظ عليه لتحقيق ذلك. وهنا لا تبدو المؤشرات واعدة.

في المقابل ابلغ فرنجية الذين زاروه مستطلعين رأيه ولا سيما السفير الفرنسي إيمانويل بون، أنّ الانسحاب عنده غير وارد لأيّ سبب من الأسباب معلّلاً ذلك بأنه غير مستعد لإلغاء وجوده السياسي بنفسه.

وفي دليل إضافي على التعقيدات الحاصلة، تردّد أنّ الوزير بطرس حرب أبلغ الحريري نيّته بالترشح بإسم قوى «14 آذار» وعلى أساس مشروعها في حال عزم فرنجية على الانسحاب. وعلى رغم كلّ ذلك، فإنّ جلسة الثامن من شباط ستكون الأكثر إثارة منذ بدء تعداد جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. إذ لا يبدو العماد عون مستعداً للنزول الى جلسة غير مضمونة لا بل إنّ انعقادها قد يؤدّي لانتخاب غيره.

ويعوّل معارضو اتفاق معراب على الحَرَج الذي سيصيب جعجع كونه دأب على اتهام المقاطعين بتعطيل الانتخابات وتشجيع الفراغ بعد الاعلان عن رفع كلّ جلسة، لكنّه حَرَج إعلامي لا سياسي فيما الواضح أنّ اللعبة ازدادت تعقيداً.

ووسط كلّ هذا الغبار والدخان الكثيف الحاجب للرؤيا، قيل إنّ الحريري لمس إيجابية من لقاء معراب وهو ما ظهر على لسان جعجع حين أبدى معارضته البحث في أيّ أمر ولا حتى في قانون انتخابات قبل الشروع في انتخاب رئيس للجمهورية.

وقيل إنّ هناك مَن استنتج بأنّ تحالف «القوات» و«التيار» والذي يتضمَّن في طياته تحالفاً انتخابياً على المستويات كافة بات في مصلحته خوض الانتخابات النيابية وفق القانون المعمول به حالياً والذي

يتوقع خبراء أن يمنح هذا التحالف نحو 45 مقعداً، فيما سيؤدّي مبدأ اعتماد نظام انتخابي على أساس النسبية إلى حصّة أقل بكثير. وهذا يريح الحريري الذي يتمسّك بالقانون المعمول به حالياً، فيما «حزب الله» يريد النسبية.