ما من شك أن عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت قد حرّكت المياه السياسية الراكدة، وأعطت قوة دفع لحركة التواصل التي برزت في أعقاب «التسوية الباريسية»، وتبنّي سمير جعجع ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، غير أن هذا الواقع لا يشي بإمكانية تحقيق الانتخابات الرئاسية في وقت قريب كون أن التفاهم على مرشّح معيّن لم يتم، وكذلك لا يوجد توافق على النزول إلى المجلس لكي تأخذ العملية الديموقراطية طريقها في انتخاب مرشّح من المرشّحين الثلاثة المعلنة أسماؤهم، وبذلك فإن الحلقة المفرغة التي يدور في مدارها الاستحقاق الرئاسي ما تزال عصيّة على الكسر بفعل العوامل الداخلية والخارجية التي هي في وضعها الحالي ليست لصالح ملء الشغور الرئاسي.

وإذا كانت الحركة الدبلوماسية في اتجاه «بيت الوسط» بالأمس قد ركّزت على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت، فإنه لوحظ أن هؤلاء السفراء تجاهلوا العامل الإقليمي والدولي الذي له تأثيره في هذا الاستحقاق معتبرين أنه استحقاق داخلي، وبذلك دلالة واضحة على أن لبنان ما زال غائباً عن الأجندة الخارجية وأن الوقت في تقدير هؤلاء لم يحن بعد لأي تدخّل من وراء البحار في الانتخابات الرئاسية التي باتت لصيقة إلى حدّ كبير بمجريات الأحداث في المنطقة.

إن أي مراقب لمسار التطورات السياسية اليومية في لبنان يُدرك تماماً بأن الاستحقاق الرئاسي لم يدخل فعلياً بعد مدار المقاربة الجدّية، سيّما وأن كل فريق معني بهذا الاستحقاق يرصد ما يجري في المنطقة لكي يبني على الشيء مقتضاه، على الرغم من المواقف المعلنة الداعية إلى لبننة هذا الاستحقاق.

وفي هذا المجال يؤكّد مصدر سياسي مراقب أن لا انتخابات رئاسية في لبنان في النصف الأول من هذا العام، وأن كل ما يجري بهذا الخصوص لن يؤدي إلى ولوج الانتخابات الرئاسية في وقت قريب، لا بل إن بعض المعطيات تفيد بأن الحركة السياسية التي جرت منذ أسابيع وحتى الآن زادت الأمور تعقيداً وكرّست تأثير العامل الخارجي في هذا الاستحقاق.

ويجزم هذا المصدر بأن إنجاز الانتخابات الرئاسية بإرادة لبنانية فقط أصبح مستحيلاً، وأن الاتكاء على العامل الإقليمي أو الدولي في هذه الآونة لن يفضي إلى شيء كون أن لبنان على المستوى السياسي غائب عن الأولويات لدى دول القرار في المنطقة، وأن الاهتمام الدولي الملاحظ بلبنان لا يتخطى مسألة النازحين من باب أن المجتمع الدولي يحرص على الإبقاء على لبنان مستقراً لكي لا يغادره النازحون في اتجاه الدول الأوروبية وهذا بحدّ ذاته يشكّل خطراً من أن تكون هناك محاولات دولية لإبقاء هؤلاء النازحين حيث هم، إذ أن المؤتمرات الدولية التي تُعقد للبحث في هذا الملف لا تأتي على ذكر إمكانية وضع خارطة طريق لعودة النازحين إلى وطنهم، وهو ما يشكّل قنبلة موقوتة بالنسبة إلى لبنان بفعل رزوحه تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية واجتماعية لم يألفها حتى إبّان الحرب الأهلية التي عصفت به.

ويؤكّد المصدر أنه لا يمكن لأي متعاطٍ بالشأن السياسي اللبناني أن يُنكر مدى تأثير الدور السعودي والإيراني على الاستحقاقات اللبنانية الكبرى، وما دامت العلاقة بين الرياض وطهران على هذا القدر من التأزم فإن ذلك يعني أن الاستحقاق الرئاسي غير مقدّر له الخروج في وقت قريب من الحلقة المفرغة التي لن يكون في مقدور أي من القوى السياسية اللبنانية كسرها.

ولهذا فإن المصدر يؤكّد بأن المسار الذي تسلكه الأزمة السورية هو من سيحدّد إتجاه الرياح الرئاسية في لبنان، وأن أي تعويل على انتخاب رئيس بمعزل عن هذا الواقع يبقى أضغاث أحلام، فما يجري في سوريا والنتيجة التي ستنتهي إليها الأزمة في هذا البلد هي من سترسم معالم المرحلة المقبلة ليس للبنان وحسب بل لدول المنطقة كافة، معرباً عن اعتقاده بأنه من المبكر الوصول إلى هذا الأمر بفعل التعقيدات القوية المحيطة بهذه الأزمة والتي على ما يبدو مقبلة على مزيد من التفاقم.

وأمام هذا كلّه فإن المصدر يرى أن الحراك السياسي الحاصل حالياً فيه منفعة على المستوى الداخلي كما حال الحوار الثنائي والموسّع، غير أن ذلك لن يكون للإنتقال من حالة اللااستقرار السياسي وانعدام التوازن الحاصل على الساحة السياسية، مما يحفّز على ضرورة الانتقال من مرحلة الترقّب والانتظار الى مرحلة العمل من خلال تفعيل العمل الحكومي وإعادة ضخ الدماء في شرايين المجلس النيابي حيث أن هناك العشرات من المشاريع الموجودة في الأدراج وتحتاج إلى مناقشة وإقرار، ناهيك أيضاً عن ضرورة التعاطي بجدّية مع الانتخابات البلدية وعدم تعميم لغة التمديد على هذا الاستحقاق الحيوي خصوصاً وأن هناك العشرات من البلديات المنحلّة والعدد نفسه من البلديات التي لا تعمل في الوقت الذي لبنان بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التنمية.