قد تكون الصورة التي نُشرت على موقع "والا" العبري، عن مصافحة حميمة بين وزير الحرب الصهيوني موشي يعالون، والأمير السعودي تركي الفيصل؛ رئيس الاستخبارات السعودية السابق، في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، فيها أكثر من معنى، خصوصاً أن رجل الأمن السعودي هذا سبق له في العام 2010 أن صافح نائب وزير خارجية الكيان الصهيوني داني أيالون في مناسبة مشابهة للواقعة الجديدة، وهي مشاركتهما في مؤتمر حول "الأمن في الشرق الأوسط".

وإذا ما عرفنا حجم وواقع التنسيق السعودي - "الإسرائيلي" - التركي، تتضح الكثير من جوانب الأمور المخفية في الصراع المحتدم في المنطقة، خصوصاً في سورية.

فعلى المستوى السعودي، ثمة تنسيق استخباراتي مع تل أبيب، وهناك صفقات سرية مذهلة عن علاقة تجارية في مجال الأسلحة، تتناول قنابل ذكية، وطائرات من دون طيار، ومعدات عسكرية حساسة، وبشكل عام تنسيق على أكثر من صعيد استراتيجي.

أما أردوغان فقد تهيّأ له مع تابعه أحمد داود أوغلو أنه الخليفة الجديد الذي سيُتوَّج على عرش المنطقة، فمع بداية "الخريف العربي" اندفع جامحاً في رهانه على "الإخوان المسلمين" للإمساك في القاهرة ودمشق، ومع اغتصاب "الإخوان" للسلطة في مصر بعد ثروة 25 يناير، نمت أحلام الإمبراطورية في عقل الرجل المريض، وأطلق صرخته الكبرى ضد سورية، وأعلن أنه سيحقق رغبته في الصلاة في المسجد الأموي، لكن مع انهيار سلطة "الإخوان" في أرض الكنانة، وصمود سورية ومقاومتها المشروع التلمودي، كانت ولادة نيو "انكشارية" المتجسدة بـ"داعش" على يد القابلة التركية، بغطاء أميركي، وتمويل بائعي الكاز العربي، خصوصاً السعودية، فاعتقد أردوغان أن طريق "الخلافة" فُتح له إلى بغداد ودمشق.

السعودية المأزومة اقتصادياً بفعل لعبتها النفطية بإغراق الأسواق وأزماتها السياسية المتأججة بفعل الخلافات الداخلية بين أفخاد الأسرة الحاكمة، بحيث يصف دبلوماسي أميركي عمل طويلاً في بلاد الحجاز ونجد أنها كالجمر تحت الرماد، لا يعرف متى تهب نسمة ريح فيطير الرماد ويظهر الجمر لهيباً لا يعرف كيف يتم إخماده، لاسيما أن من يُمسك بالملف الاقتصادي السعودي وبوزارتي الدفاع والخارجية شاب متهور وجموح، هو محمد بن سلمان، انخرط في مغامرات كبرى يتابعها بمزيد من التهور والتخبط، والاندفاع في توسيع رقعة التوترات داخلياً وخارجياً، في نفس الوقت الذي تريد أجنحة من العائلة الحاكمة غرقه مع والده الملك المريض وامتداداتهما في رمال الأزمات المشتعلة.

في الخلاصة، أثبتت التطورات أن مملكة الرمال غير مؤهَّلة لأن تبدو دولة عظمى في الإقليم، وغير قادرة على شن الحروب وتغيير أنظمة، فدبّت الصوت على حلفائها وجيرانها الخليجيين، سواء بالتهديد المباشر، أو بالترغيب بمشاركتها في حروبها المدمرة، وامتد صوت استغاثتها إلى البعيد، فاستعملت كل أساليب الترغيب والترهيب مع الإماراتيين والكويتيين وباكستان والسودان واثيوبيا، وارتيريا، وحتى الصومال وجيبوتي، ودائماً وأبداً الأميركيين الذين أمدوها بشركة الإرهاب والقتل والاغتيالات والأمن، "بلاك ووتر" التي تعمل بإشراف وتوجيه مباشر من وكالة المخابرات المركزية الأميركية "C.I.A"، فلقيت هذه الشركة ضربات قاتلة في اليمن، وأرسلت وحدات منها إلى سورية ما زال العديد من أفرادها يقاتلون في صفوف "داعش" و"النصرة" و"الإخوان".

أمام الانتصارات المتتالية للجيش السوري في الأسابيع الأخيرة في الشمال والجنوب السوريين، والغوطتين، أيقن حلف أعداء دمشق أنه غير قادر على إسقاط الدولة الوطنية السورية، بعد خمس سنوات إلا ثلاثة أسابيع من هذه الحرب القذرة التي تستهدف سورية تاريخاً وحضارة وعراقة وحاضراً ومستقبلاً، خصوصاً أن الانهيارات المتلاحقة في المجموعات الإرهابية لم تنفع معها كل المقويات الأميركية والصهيونية والخليجية والتركية، فلم يبقَ أمامهم سوى إطالة أمد الحرب، بمختلف الأشكال والوسائل التي تميّزت مؤخراً بارتفاع الضجيج السعودي - التركي عن التدخل العسكري المباشر من خلال توفير 150 ألف مقاتل يُحشدون بتمويل سعودي لمهاجمة سورية، تحت عنوان "مقاتلة داعش"، وفي هذا كذبة كبيرة، لأن وجود "داعش" وانبعاثها لم يعد يخفى على أحد.

إذاً، ثمة حقيقة، وهي أن الرياض وأنقرة والإدارة الأميركية، ومعهم بالطبع الكيان الصهيوني، وحلفهم، يراهنون على الوقت، لكن الميدان وحده هو من يحدد النتائج والوقائع، فالجيش السوري وحلفاؤه يتقدمون بشكل متلاحق نحو الحدود التركية، وهنا سيجد "السلطان" أردوغان نفسه أمام وقائع داخلية تركية جديدة، ربما سيستفيق على "جبهة تحرير لواء اسكندرون" الذي يطلق عليه "هاتاي"، مترافقاً مع مزيد من الانقسامات الداخلية التركية، وهنا: هل ستبقى المؤسسة العسكرية التركية التي قصقص "السلطان" أجنحتها مكتوفة اليدين؟ المستقبل القريب وحده من يجيب، على واقع سلطة انكشارية باتت عبئاً على شعبها وعلى حلفائها.

أما سعودياً، فمن يزرع الريح لن يحصد إلا العاصفة، فكيف إذا كان حال السلطة فاقدة الآن للراشدين؟ ثمة مجهول ينتظر مملكة الرمال التي باتت عبئاً على أهلها، وعلى حماتها أيضاً.. لنتابع الوقائع الميدانية التي ستعطي الجواب..