يرتفع منسوب المخاوف من أن تتحول منطقة وادي خالد الحدودية ومحيطها وصولاً إلى المنطقة الساحلية في محافظة عكار، إلى بؤرة أمنية مماثلة لعرسال وجرودها، أكثر من أي وقت مضى، لاسيما في ضوء التطورات الأخيرة في سورية، أي سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية، من دون أن يشمل بعض التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش" و"جبهة النصرة" في تنظيم "القاعدة"، وحاجة الأخيرين إلى قواعد إمداد لوجستية برية وبحرية، تحظى بغطاء مذهبي محلي وإقليمي، مادام تأثير المملكة السعودية وحلفائها قائماً في المناطق اللبنانية ذات غالبية المواطنين السُّنة، خصوصاً في حمأة الصراع السعودي - الإيراني، وحاجة الرياض للضغط على الحكم السوري حليف إيران من الجهة الشمالية - الشرقية، إضافة إلى محاولة بعض الجهات المشبوهه تسعير الفتنة المذهبية بين المكوّنات اللبنانية، والذي حذر منه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة، فلا شك أن التوتير المذهبي يسهم في تأمين بيئة خاضنة للإرهاب..

يذكر أن الوضع المتردي في عكار ليس وليد الساعة، فقد بدأ الانفلات الأمني والاجتماعي فيه غداة اندلاع الأزمة السورية؛ يوم شجّعت بعض القوى المحلية، وفي مقدمها تيار "المستقبل"، على نزوح السوريين إلى عكار، برعاية النائبين معين المرعبي وخالد الضاهر، الأمر الذي حمل انعكاسات سلبية كبيرة على حياة العكاريين.

وفي هذا الصدد، تؤكد مصادر أهلية أن غالبية التيارات السياسية والجمعيات الخيرية أوقفت مختلف أنواع المساعدات عن النازحين في عكار، وتركوا لأبنائها أن يتدبروا أمرهم، ما أدى إلى فوضى أمنية واجتماعية في المنطقة، جراء الاكتظاظ السكاني والمدرسي، إضافة إلى عدم قدرة البنى التحتية والمستوصفات وسواها من المؤسسات الخدماتية على تلبية حاجة هذا الاكتظاظ غير المسبوق.

لكن الكارثة الحقيقية التي حلّت ببعض المناطق العكارية، بفعل النزوح السوري إليها، تفشي عادات اجتماعية وأفكار لدى بعض أبنائه، بعيدة كل البعد عن تاريخه وقيمه الوطنية، لاسيما انتشار "آفة التكفير" بين بعضهم، تحديداً الذين يتبؤون مناصب قيادية في التنظيمات التكفيرية الناشطة في سورية والعراق، برأي المصادر.

وما يثير المخاوف الجدية لدى العكاريين، احتمال تحوّل جزء من منطقتهم، تحديداً وادي خالد، إلى مقر للمسلحين الهاربين من ريف حمص الشمالي، بعدما أطبق الجيش السوري الخناق على المجموعات المسلحة في مناطق وعر حمص، وتلبيسة، والرستن، والدار الكبيرة.

وتناشد المصادر المذكورة الأجهزة المعنية في الدولة اللبنانية العمل على تجنيب البلد هذه الكارثة، على حد وصفها، وبالتالي عدم الإفساح في المجال لتكرار تجربة عرسال ثانية على أراضي عكار، وعدم خضوع هذه الأجهزة لأي قرار إقليمي يقضي بذلك.

وفي السياق عينه، تؤكد مصادر في قوى الثامن من آذار أنه في حال أقدم التكفيريون على "مغامرة أمنية" بإيحاء سعودي، تهدف إلى ضرب الاستقرار اللبناني، لاسيما محاولة استهداف المناطق المؤيدة للمقاومة، في سياق سياسة جنون المملكة في التعاطي مع كل ملفات المنطقة، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى مواجهة عنيفة مع المقاومة في لبنان، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إبعاد السعودية إلى خارج الحياة السياسية اللبنانية.

وما يعزز المخاوف من تدهور الأوضاع الامنية في لبنان الشمالي، بأوامر عمليات إقليمية، هو احتجاز السلطات اليونانية للسفينة المحمَّلة بالسلاح، والمتجهة من تركيا إلى طرابلس، حسب المعلومات المتوافرة، فهل تبادر الأجهزة المعنية إلى تطويق الأخطار الحدقة بمنطقة الشمال قبل فوات الأوان، وتجنيب لبنان تجربة عرسال ثانية الكارثية، لأن التراخي حتما سيضع لبنان أمام تجارب مماثلة لظاهرة أحمد الأسير و"أبو طاقية" وسواهما، قد يدفع ثمنها الجيش اللبناني مجدداً؟