على الرغم من "الصدمة" التي تسيطر على الشارع اللبناني، يمكن القول أن الحملة التي تقوم بها دول ​مجلس التعاون الخليجي​ ضد "حزب الله" كانت متوقعة، خصوصاً أن ملامح بداياتها تعود إلى سنوات إلى الوراء، حيث برزت أولى معالمها خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، في شهر تموز من العام 2006، عندما وصفت العملية التي قام بها الحزب بـ"المغامرة"، لتستكمل بتوجيه أصابع الإتهام له بجريمة إغتيال رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​، ومن ثم إطلاق أكبر حملة إعلامية هدفها النيل من سمعته في العالمين العربي والإسلامي.

من هذا المنطلق، لم تكن الحرب السورية، التي يشارك الحزب فيها بشكل قوي، أو الأحداث في البحرين واليمن، التي له موقف منها يناقض التوجهات السعودية، إلا "محطة" في سياق رحلة طويلة لن تنتهي في وقت قريب، لكن المواجهة اليوم باتت مباشرة، لا سيما بعد إعدام المعارض السعودي الشيخ ​نمر النمر​، بعيدة عن كل الإعتبارات الدبلوماسية، تلعب فيها كل الأوراق وتستخدم خلالها كل أنواع الأسلحة، وأبرزها التصنيف "الإرهابي"، المتزامن مع حملة كبيرة على مختلف الصعد، قد يكون من الصعب على الحزب مواجهتها، إلا عبر مواقفه المعلنة، في ظل الحصار الإعلامي والسياسي المفروض عليه، بالإضافة إلى أخذ الصراع طابعاً مذهبياً خطيراً.

على هذا الصعيد، تعتبر مصادر مطلعة من قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أن الهجمة، التي قال الدبلوماسي الأميركي ​جيفري فيلتمان​ يوماً أن بلاده خصصت لها ما يقارب 500 مليون دولار، تحقق اليوم نجاحاً لافتاً، خصوصاً أنها مدعومة من قبل مجموعة من الدول العربية والإسلامية الفاعلة، التي تملك أدوات التأثير في البيئة التي كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أبرز قياداتها قبل سنوات قليلة، لا سيما بعد تحرير جنوب لبنان في العام 2000، ليتحول، بحسب الدعاية القائمة، إلى مجرد أداة ضمن المشروع الإيراني الذي يستهدف أمن وإستقرار العرب والمسلمين، لا بل يصنف "حزب الله" منظمة "إرهابية"، لا يختلف دورها عن "القاعدة" و"جبهة النصرة" و"داعش".

من وجهة نظر هذه المصادر، المشكلة الرئيسية تكمن بالأساس في قراءة دور الجماعات الإرهابية، الناشطة في منطقة الشرق الأوسط، حيث عُمّمت رؤية لها ترى فيها كيانات قائمة بنفسها، وبدأ الحديث في الأشهر الأخيرة عن "تدويل" مواجهتها ومكافحتها، من دون التنبّه إلى أنها مجرد أدوات ضمن مشروع كبير، تقف خلفها بعض أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية، وتعتبر أن هذا الخطأ أدّى اليوم إلى تعميم النظرية وصولاً إلى وضع "حزب الله" على لائحات المنظمات المتطرّفة، في وقت تنظر إليه بعض الدول الأوروبية بوصفه لاعباً أساسياً في محاربة تلك المنظّمات الاجراميّة العاملة على الأرض السورية، وتسأل: "كيف من الممكن أن يمر مرور الكرام موضوع تحول صانع الإرهاب إلى محارب له، من دون أن يطرح الرأي العام الإقليمي والدولي مجموعة من الأسئلة حول هذا الأمر"؟.

في هذا السياق، ترى المصادر نفسها أن الأخطر في كل ما يحصل هو تغلغل هذه الحملة إلى الداخل اللبناني، من خلال الدعاية الإعلامية والسياسية المركزة، التي عملت على تأجيج خلافات الحزب مع بعض الجهات المحليّة، في إطار معركة محاصرته وصولاً إلى موافقة بعض القوى على وصف ما يقوم به بالأعمال "الإرهابية"، ولا تستبعد أن ترتكز المرحلة المقبلة على تدويل الأزمة القائمة، إنطلاقاً من أي حدث أمني قد يقع في أي لحظة، لا سيّما بعد أن تبين أن هناك من يعمل على تفجير الأوضاع بأي ثمن.

وفي حين تلفت هذه المصادر إلى أهمية الموقف الروسي، الرافض لهذا التصنيف من حيث المبدأ، تشدّد على أن مساعي تعميمه على المستوى العالمي قائمة، وتشير إلى إحتمال صدور قرار عن ​الجامعة العربية​، الذي عبر عنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قبل أيام، يصبّ في الإتّجاه نفسه، وتؤكد أن هذا الأمر سيشجع بعض الدول على إتخاذ موقف مماثل، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي يسعى إلى الوصول إلى هذه المرحلة، وتضيف: "تل أبيب قد تجد فرصة مناسبة، من وراء ذلك، لشن عدوان على الحزب، لا سيما أن الحرب بات من الممكن أن تصنف ضمن خانة محاربة المنظمات الإرهابية"، وتسأل: "أين هو الموقف اللبناني الرسمي من كل ما يحصل"؟.

في المحصلة، لبنان دخل مرحلة جديدة من الصراع المفتوح على مستوى المنطقة، لا يملك أحد القدرة على تقدير التداعيات التي قد تترتب على ذلك، لكن على الأكيد لم يعد الساحة التي يحرص الجميع على إبقائها بعيدة عن النيران المشتعلة في المنطقة.