وكأنّ الأزمات اللبنانية، على تشعّبها وخطورتها، سياسياً واجتماعياً وصحياً واقتصادياً، أتى الجفاف وغياب الأمطار غزيرة ليهدّد الموسم الزراعي لهذا العام عن بكرة أبيه، مع التداعيات الكارثية التي يمكن أن تنتج عن ذلك بالنسبة لفئةٍ واسعةٍ من المواطنين.

وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أنّ شحّ المياه في النهر انعكس سلبا على ​بحيرة القرعون​ والآبار الجوفية والأراضي الزراعية، اذ تجمع في البحيرة حوالي 66 مليون متر مكعب فقط لغاية اليوم من أصل 130 مليون متر مكعب لشهر كانون الثاني كمعدل وسطي عام، في حين تصل سعتها إلى 220 مليون مكعب مياه.

الصورة اليوم في نهر الليطاني خير دليل على شُح المياه، الأمر الذي يدلّ على أننا نواجه نقصاً حاداً في كمية المتساقطات حتى اليوم، باعتبار أنّ أشهر الشتاء المعروفة (تشرين وكانون وشباط) كانت ضعيفة جداً، وغابت عنها خميرة الأرض، أي الثلوج.

انطلاقاً من ذلك، يتحدّث المزارعون عن "كارثة محتّمة"، ويجزمون أنّ الموسم الزراعي برمّته مهدّدٌ هذا العام، حتى أنّ الأمطار، في حال سقطت في شهري آذار ونيسان، فإنّها لن تفي بالغرض ولن تملأ مخزون الآبار، علمًا أنّ أغلب الآبار الارتوازية التي تُستعمَل لريّ المزروعات أصبحت مهددة بالنشاف.

ولعلّ الأرقام توثّق هذه المعطيات، فكمية المتساقطات المائية بقاعًا لغاية اليوم بلغت حوالي 137 ملم من أصل 486 ملم كمعدل وسطي عام لأول شباط، علمًا انه سجل في العام الماضي عن الفترة نفسها 520 ملم، ما يعني أننا لم نصل بعد إلى نسبة 50 بالمئة من المعدل الوسطي السنوي، بل إنّ النسبة لم تتخطّ لغاية تاريخه 22 بالمئة فقط بقاعاً و29 بالمئة ساحلاً، وبالتالي فهي منخفضة جداً بالمقارنة مع المواسم السابق.

لهذه الأسباب، يقوم بعض المزارعين على ضفاف نهر الليطاني بري المزروعات من النهر الذي أصبحت مياهه مياه صرف صحي بالكامل، وهذا الامر خطير جدا على الصحة العامة، ومن شأنه أن يزيد من نسبة حالات الاصابة بالسرطان في منطقة البقاع، التي من المتوقع ان ترتفع خلال السنوات المقبلة.

"النشرة" تحدّثت مع عدد من المزارعين، من بينهم المزارع خالد المجذوب من غزة البقاع الغربي الذي أكد ان الموسم الزراعي مهدد لهذا العام بسبب قلة الأمطار.

أما المزارع محمد شرانق من جب جنين في البقاع الغربي، فنبّه إلى ان المزارعين سيقعون في خسائر فادحة بسبب جفاف الآبار الارتوازية التي تستعمل للريّ، ولذلك سيتوجهون الى نهر الليطاني لري مزروعاتهم من مياه الصرف الصحي، وهذا امر خطير على صحة المواطن بشكل عام.

في النتيجة، يبدو كلّ شيء مهدّدَا في لبنان، من صحة المواطنين المتهالكة، إلى الموسم الزراعي الذي يشكّل مصدر الرزق الوحيد لفئةٍ كبيرة من الناس. وبين الاثنين، تبقى الدولة الغائبة الأكبر عن رعاية شؤون مواطنيها!