"هذه المحكمة ستقول كلمة الحق فقط وعلى مدى أربعة أشهر نقول الحق فقط ولا أحد يمكنه منعنا عن قول الحق ولا يهمني ان تعجب قراراتي أحداً". بهذه العبارة، ختم رئيس محكمة التمييز العسكرية القاضي ​طوني لطوف​ جلسة محاكمة الوزير السابق ​ميشال سماحة​، وهي لم تكن كغيرها لا من ناحية المدّة ولا من ناحية حدّة النقاشات بين لطّوف من جهة وبين وكلاء الدفاع عن سماحة ممثلين بالمحامي ​صخر الهاشم​.

ولمدة أربع ساعات ونصف تقريبًا، استمرت جلسة اليوم للاستماع لسماحة، وتخللتها استراحتان، كان "المتهم" فيها مرتاحًا، وأوصل الرسائل التي يريد ايصالها، وقال: "لقد حرمتموني من حقّي من التصريح خارج هذه المحكمة فأريد أن أمارس حقي في التعبير عن رأيي في هذه المحكمة وأريد ان أكشف كل شيء فأنا المتّهم". كما كرّر القاضي لطوف أكثر من مرة سؤال الهاشم: "هل تريد محاكمة استعراضية تلفزيونية أم تريد محاكمة وفق الأصول؟"

ولعل أبرز ما حصل اليوم، هو رفض القاضي لطّوف استدعاء ​ميلاد كفوري​ للاستماع إلى إفادته "كونه مخبر لدى الأجهزة الأمنية وله الحق بالاحتفاظ بسريته"، ما اعتبره الهاشم انتقاصًا من حقوق الدفاع.

"فرع المعلومات خطط للإيقاع بي"

وفي التفاصيل، بدأت محاكمة اليوم بالاستماع إلى شاهدين، الأولى كانت غلادس اسكندر، وهي سكرتيرة سماحة منذ العام 1994، والثاني هو سائقه الشخصي فارس بركات. وكانت افادتهما بهدف المعلومات وليس كشهود أصيلين في المحاكمة.

وبعد الانتهاء من الاستماع لهما، جاء دور سماحة، الذي كان متسلحاً بملف فيه معلومات، ملقياً نظراته على جميع الموجودين في القاعة، ويسير بكل ارتياح في المساحة المخصصة له في قفص الاتهام، وظهرت الابتسامة على وجهه في أكثر من مرة. وبدأ المحامي صخر الهاشم والمحامية ​رنا عازوري​ بطرح أسئلتهما على سماحة.

وكرر الوزير السابق تأكيده بأن العمل الوحيد الذي قام به هو نقل المتفجرات، مشددا على أنّه أصبح متيقناً اليوم بأن طلبات كفوري التي كانت موجودة داخل الظرف الذي سلّمه اياه قد جهّزها فرع المعلومات للإيقاع به، وقال: "يوم توقيف الارهابي شادي المولوي في طرابلس كنت في باريس حينها فاتصل كفوري بي ثلاث مرات طالباً مني التوسّط مع الأوساط الرسمية للافراج عن المولوي".

وعندما سأله الهاشم "هل يوجد لديك حرس شخصي أمام منزلك أو أي مسلحين لحمايتك؟"، أجابه سماحة "أنا كنت وزيراً ونائباً ولم أقبل يوماً أن أحضر حراساً لحمايتي"، فهمست إحدى قريباته "هذا صحيح".

وشهدت الجلسة بعض السخونة عندما سأل الهاشم سماحة "لماذا لم يُلقِ فرع المعلومات القبض عليك قبل تاريخ 9-8-2012 مع العلم أنك قد أحضرت المتفجرات قبل هذا التاريخ"؟، فكان جواب سماحة "كان فرع المعلومات منشغلاً بتحضير المقاطع المصوّرة لي"، فقاطعه القاضي لطّوف رافضا هذا الجواب، فقال سماحة: "أنا المتّهم ومن حقي أن أتكلّم".

"هددوني ببناتي"

وبما يخص الطريقة التي ألقى فيها فرع المعلومات القبض عليه، والتي اعتبرها الهاشم أنها "SHOW"، قال سماحة: "دخلوا إلى منزلي من باب المطبخ الخلفي وكان مفتوحا ومن ثم خرجوا واقتحموا المنزل من الباب الرئيسي الذي تم تحطيمه ودخلوا بشكل همجي على غرفتي وكنت نائما إلى جانب زوجتي. كان معهم مسلحون أجانب قد أتوا من الأردن قبل يوم ولا أعرف جنسيتهم ولن أقول أكثر من ذلك. ولما سألني الضابط عن منزل بيروت قلت له أن فيه بناتي الثلاث، فسحب هاتفه واتصل بفرع المعلومات ببيروت وقال له اقتحم المنزل والمكتب"، وأردف قائلاً: "هدّدوني ببناتي".

فقاطعه القاضي لطوف معتبراً أن "هذه الأسئلة هي أسئلة استعراضية وتلفزيونية، ونحن نريد محاكمة وفق الأصول".

"قد أكون مغفلاً لكنني ضحيّة"

ورداً على سؤال آخر، قال سماحة: "وقوعي بالفخّ الذي دبره لي كفوري قد يكون دليلاً على أنني مغفّل، لكنني كنت ضحيّة استدراج مبرمج وعندي ثقة بأن القانون سينصفني"، ووصف كفوري بأنه "محرّك ومستدرِج ومدرب وعمل لسنوات طويلة مع جهاز استخباراتي معروف"، وأضاف: "هو أداة استخباراتية أوقعتني وأرادت النيل من سوريا ونظامها ومسؤوليها".

وأوضح سماحة أن "الهدف من المتفجرات كان ايقاف المتسلّلين ومهربي الأسلحة عبر الحدود"، لافتاً إلى أن كفوري أكّد له أنه لا يملك تنظيماً مسلّحاً بل لديه 3 بائعي خضار يمكنهم أن يضعوا المتفجرات وتفجيرها على الحدود لكن لا يمكنهم الإشتباك مع هؤلاء المهربين، وقال: "كل هدفي من هذه العملية هو وقف الهجرة غير الشرعية للسوريين إلى لبنان وكي لا يصل لبنان إلى ما وصل إليه اليوم".

وردًّا على سؤال المحامية عازوري حول "عدم اعتراض سماحة على اثارة الكفوري لموضوع استهداف الافطارات ومفتي عكار مالك الشعار"، أوضح سماحة ان استهداف هذه الشخصيات يحتاج إلى منظومة محترفة في التفجيرات والاغتيالات وكفوري لا يمتلكها، وأضاف: "لذلك اعتبرت أن كل كلامه "بَهْوَرَة" فلم أعلّق عليه وأنا متأكد من أن أقصى ما يمكن لكفوري فعله هو تفجير الألغام في المعابر الحدودية ولم يكن لديّ النيّة في أيّ وقت من الأوقات في استهداف أي افطارات أو شخصيات".

"مخبر سري"

وبعد الانتهاء من أسئلة وكلاء الدفاع، طالب الهاشم المحكمة بدعوة الخبير العسكري الذي نظّم محضر المتفجّرات المضبوطة لاستيضاحه حول بعض المعلومات، كما طالب بالاستماع إلى الضابطين اللذين استجوبا سماحة والكفوري وداتا الاتصالات الخاصة بكفوري، وقال: "نطالب المحكمة أيضا باستدعاء ميلاد كفوري للاستماع لشهادته أيضا"، فرفض المحامي العام التمييزي القاضي ​شربل بو سمرا​ كل الطلبات المذكورة، وتدخّل القاضي لطّوف قائلاً: "أنا رئيس المحكمة وأنا الذي يقرر ان كان من الضروري استدعاؤهم أم لا"، وبعد أن دارت نقاشات حادّة حول امكانية استدعاء كفوري كونه مخبر للأجهزة الأمنية والقانون يحمي سريّته، وقف ميشال سماحة صارخاً بصوت عالٍ: "أنا المتّهم، هذه قضيّتي، ميلاد كفوري مُجرم، مُجرم"، ومن ثم همس قائلا "للتغطية عنه"، أي أن المحكمة رفضت استدعاءه للتغطية عنه حسب سماحة.

حينها رفع لطوف الجلسة لمدة 15 دقيقة للمناقشة واتخاذ القرار. الا أن هذه المناقشات استمرت لأكثر من ساعة.

وبعد الانتهاء من الاستراحة، دخل لطّوف بالقرار الذي توصل إليه بعد دراسة الطلبات، فأعلن رفض المحكمة لاستدعاء كفوري "كونه في 28-7-2012 أصدر النائب العام التمييزي كتاباً يوضح بأنه تم تعيين كفوري مخبراً سرياً في هذه القضية ما يمنع استدعاؤه للاستجواب"، حينها ضحك سماحة ونظر للارض اعتراضاً على القرار. كما أعلن لطّوف رفض المحكمة للاستعانة بأي خبير عسكري للاستيضاح حول المضبوطات، ورفض الاستماع لمنظّمي المحاضر لأنهم شهود حق عام.

ولما انتهى لطّوف من تلاوة قراراته، قال الهاشم: "كنا ننتظر هكذا جواب وكل هذا الرفض، وهذا انتقاص من حق الدفاع"، فأجابه لطّوف: "لقد قمنا بتأمين كافة حقوق الدفاع والتهم واعطيناه حقه الكامل في قول ما يريده فهل تريد أن تحلّ مكاننا وتقول لنا ماذا نفعل؟". وبعد نقاش طويل، وبنبرة صوت مرتفعة، بين الهاشم ولطّوف، شدّد الثاني على أن "هذه المحكمة صار لديها ما يكفي لبناء قناعتها ولاتخاذ القرارات، هذه المحكمة ستقول كلمة الحق فقط وعلى مدى أربعة أشهر نقول الحق فقط ولا أحد يمكنه منعنا عن قول الحق ولا يهمني ان تعجب قراراتي أحدًا".

وقرر القاضي لطوف تحويل المحاكمة للمرافعة، أي المرحلة الأخيرة قبل اتخاذ الحكم النهائي في القضية، وحدّد تاريخ السابع من نيسان المقبل موعداً لها، بعدما طلب الهاشم وقتاً لاعادة دراسة الملفّ.

وبالتالي، خُتمت اليوم جلسات الاستجواب والاستماع لسماحة ولموكّلي الدفاع، والموعد التالي هو جلسة المُرافعة التي سيتمّ من بعدها اتخاذ الحكم بحق سماحة. وبعدما رفضت المحكمة استدعاء كفوري أو أي خبير عسكري، بات الملف مكتملاً لدى هيئة المحكمة لاتخاذ الحكم في هذا الملف، لإقفاله.