بعد سيطرة ​الجيش السوري​ وحلفائه على مدينتي تدمر والقريتين، تبدلت ‏المعطيات التي لها علاقة بالأوضاع على صعيد الجبهة اللبنانية، ‏خصوصاً بالنسبة إلى خطر الجماعات الإرهابية المنتشرة على الحدود ‏السورية لناحية البقاع، لا سيما في ​جرود عرسال​ و​رأس بعلبك​ و​القاع​، ‏فهل تكون وجهة المعارك المقبلة نحو هذه المنطقة قبل الإنطلاق نحو ‏​الرقة​ و​دير الزور​، حيث المواجهات الإستراتيجية المنتظرة؟

توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن السيطرة على القريتين ‏ساهمت إلى حد بعيد في تخفيف الضغط على الحدود اللبنانية، حيث من ‏المفترض أن تكون بيروت هي أكبر المستفيدين منها، نظراً إلى أنها ‏تقطع خطوط إمداد تنظيم "داعش" الإرهابي من معاقله السورية، نحو ‏المناطق التي يسيطر عليها في القلمونين الشرقي والغربي، لكنها تشير ‏إلى أن هذا لا يعني إنتهاء الخطر بشكل كامل، حيث سيسعى التنظيم إلى ‏فك الحصار المفروض عليه بأي ثمن، الأمر الذي قد يتطلب المسارعة ‏إلى تنفيذ عملية عسكرية من الجانب اللبناني، قبل أن ينجح في إعداد ‏العدة لتوسيع رقعة نفوذه.‏

وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى المعلومات عن هروب عناصر من ‏‏"داعش"، من جراء المعارك في القريتين وتدمر، نحو القلمون الشرقي، ‏تذكر بأن التنظيم الإرهابي كان يعمل منذ مدة على نقل العشرات من ‏مقاتليه إلى القلمون الغربي، في إطار الإستعدادات لنقل المعركة إلى ‏مشاريع القاع التي يستطيع أن يؤمن فيها خطوط إمداده، بدل حصر ‏وجوده في جرود عرسال ورأس بعلبك فقط، لكنها توضح أنه بعد خسارة ‏القريتين ومهين انحسرت لديه العديد من خطوط المناورة نحو الشرق ‏السوري.‏

في الوقت الراهن، لا يملك "داعش" القدرة على نقل قواته نحو الجرود ‏اللبنانية بأعداد ضخمة، نظراً إلى أن هذا الأمر يتطلب الإنتقال نحو ‏أوتوستراد دمشق حمص الدولي، ومن ثم إلى جرود قارة كي تكون نقطة ‏الإنطلاق نحو جرود رأس بعلبك والقاع، الأمر الذي تعتريه صعوبات ‏كبيرة بسبب سيطرة الجيش السوري و"حزب الله" على المنطقة نارياً، إلا ‏أن وكالة "أعماق"، التابعة لهذا التنظيم الإرهابي، تحدثت يوم أمس عن ‏إستعادة سيطرته على 3 جبال بعد سيطرة "حزب الله" عليها، كما عن ‏إحباطه لهجوم من "حاجز شعبة عوض" باتجاه منطقة زويتينة، حيث ‏اضطر عناصر الحزب للإنسحاب بعد معارك استخدمت فيها الرشاشات ‏الثقيلة ومدافع الهاون، ما يوحي بأن "داعش" سوف يسعى إلى تحريك ‏هذه الجبهة سريعاً.‏

إنطلاقاً من ذلك، ترجع المصادر نفسها فرضية سعي التنظيم الإرهابي ‏إلى البحث عن وسيلة تؤمن نقل مقاتليه من القلمون الشرقي نحو أماكن ‏أخرى، ربما تكون جرود عرسال، بعد أن إستطاع في الفترة الأخيرة ‏السيطرة على قسم كبير منها، بعد مواجهة مع مقاتلي جبهة "النصرة" ‏التي كانت تسيطر على أغلبها، لكنها توضح أن هذا الأمر ليس بالسهولة ‏التي قد يتصورها البعض لعدة أسباب.‏

من وجهة نظر هذه المصادر، الخطر القادم من مناطق سيطرة التنظيم ‏في القلمون الشرقي، حيث هو محاصر من "حزب الله" والجيش السوري ‏أصبح بحكم المنتهي، لكن في المقابل هو متواجد في القلمون الغربي ‏تحت حصار مفروض عليه من ​الجيش اللبناني​ و"حزب الله"، الأمر الذي ‏قد يدفع إلى تحريك هذه الجبهة لتخفيف الضغط عليه في جبهات أخرى، ‏في ظل المعلومات عن إصرار القيادتين الروسية والسورية على ‏الإٍستمرار في معارك الصحراء، أي التوجه نحو دير الزور والرقة في ‏المرحلة المقبلة، وتكشف عن إمكانية تحريكه بعض الخلايا النائمة في ‏الداخل اللبناني في الوقت الذي يفتح فيه نار المواجهة، الأمر الذي يتطلب ‏رفع مستوى الجهوزية إلى الدرجة القصوى.‏

إنطلاقاً من ذلك، توضح المصادر نفسها أن هذا السيناريو غير مستبعد ‏من الجانب اللبناني، حيث المؤسسة العسكرية عملت، في الأشهر السابقة، ‏على تعزيز وجوده في القرى والبلدات المحاذية، بالإضافة إلى عملها ‏على إستهداف أي تحرك مشبوه، في وقت تستفيد فيه من المساعدات التي ‏قدمت لها من بعض الدول الغربية، في سياق القرار الدولي الواضح ‏بالحفاظ على الإستقرار المحلي، بالتزامن مع إستمرار إستنفار "حزب ‏الله" قواته، حيث سجل أول من أمس إستهداف لمواقع "داعش" في جرود ‏رأس بعلبك، ناهيك عن الإستعدادات التي قامت بها بعض القوى الأخرى ‏في المنطقة، إلا أنها ترجح عدم فتح هذه الجبهة قبل أن يقدم التنظيم ‏الإرهابي على ما يمكن تسميته بالخطوة الأولى، لا سيما أن الجميع ‏يراقب صراعه مع "النصرة" في المكان نفسه، وتدعو إلى عدم إهمال ‏ورقة العسكريين المخطوفين التي لا تزال بين يديه.‏

في المحصلة، لم ينته خطر "داعش" على وقع المعارك الدائرة في ‏الداخل السوري، بل على العكس قد يعمد التنظيم الإرهابي إلى فتح ‏جبهات جديدة، الأمر الذي يتطلب البقاء على أهبة الإستعداد لمواجهة أي ‏إحتمال في المستقبل، مع العلم أن خطر تنفيذ تفجيرات أمنية يبقى قائماً.‏