من قطوعٍ أمني الى آخر، تترنّح المخيمات الفلسطينية في لبنان تحت دائرة الاستهداف وخاصة مخيم ‏عين الحلوة، ولكنّ جريمة اغتيال مسؤول حركة "فتح" في مخيم الميّة ومية والمسؤول العسكري في ‏منطقة ​صيدا​ العقيد ​فتحي زيدان​ الملقب بـ"الزورو" عند مستديرة الاميركان في صيدا شكّلت نقلة نوعية ‏في الاستهداف، اولا خارج دائرة المخيمات جغرافيًا، ثم بطريقتها بواسطة عبوة ناسفة لاصقة وضعت ‏تحت مقعد سيارته مباشرة ما يشير الى عملية أمنية احترافية. ‏

لبنانيًا، قرأت أوساط بارزة جريمة الاغتيال بانها "حادث أمني خطير"، "ورسالة دموية" تعبّر عن اصرار ‏واضح على مخطط "مشبوه" لتوتير وتفجير الاوضاع الامنية في المخيمات وخاصة عين الحلوة والميّة ‏وميّة، اذ أعادتها الى دائرة التوتير القابل للانفجار عند اي اشكال بعد نجاح الجهود الفلسطينية باحتواء ‏اشتباكات عين الحلوة الاخيرة التي سقط ضحيتها ثلاثة قتلى وعشرة جرحى.‏

واعتبرت الاوساط نفسها أن الجريمة، شكّلت خرقاً امنيًا لمدينة صيدا التي تعيش هدوءًا لافتاً منذ ‏الاشتباك الاخير الذي حصل بين مجموعة الإرهابي الموقوف احمد الاسير والجيش اللبناني قبل ثلاث ‏سنوات، متسائلة عمّا إذا كانت محاولة لجعل المدينة ساحة لتصفية الحسابات الفلسطينية على حساب ‏أمن المدينة واستقرارها بعد الاشتباكات المسلحة الاخيرة في عين الحلوة.‏

أما فلسطينيًا، فقد وصفت القوى الفلسطينية جريمة الاغتيال بـ"العمل الارهابي والاجرامي"، واعتبرتها ‏استهدافاً خطيراً وتجاوزًا سافرًا لـ"الخطوط الحمراء"، وبالتالي فهي تندرج ضمن "الاجندة المشبوهة" التي ‏تطاول الاستقرار الامني للمخيمات الفلسطينية، والاجماع الوطني والاسلامي الفلسطيني الذي تحقق ‏وشكل حصانة وصمام أمان للمخيمات وللعلاقة الاخوية التي تربط الشعبين الفلسطيني واللبناني، بينما ‏اعتبرتها حركة "فتح" جزءًا من مسلسل الاستهدافات المتكرر لقياداتها وكوادرها وقوات الأمن الوطني ‏الفلسطيني.‏

وبين القراءتين، ثمة تساؤلات فلسطينية ولبنانية عن ماهية الانفجار وطبيعته وقدرة "المجهولين" على ‏تفجير السيارة، وسط اعتقاد ان زيدان هو "الهدف الأسهل"، اذ انه يعتبر من المسؤولين غير المستهدفين ‏وتربطه علاقات جيدة مع كل القوى الفلسطينية وخاصة في المية ومية ومع "انصار الله" وحركة ‏‏"حماس"، اللذين يشكّلان مع حركة "فتح" الثقل الثلاثي الرئيسي في معادلته السياسية والأمنية. ‏

واكدت مصادر فلسطينية ان تعاونا امنيا يجري مع القوى اللبنانية لإماطة اللثام عن اي تفاصيل قد تفيد ‏سير التحقيقات، ومنها متابعة كاميرات المراقبة في المنطقة، ومنها تشكيل حركة "فتح" لجنة تحقيق ‏سريعة توجهت من عين الحلوة الى المية مية للاستماع الى افادات المقربين منه، واين ركنت سيارته ‏ومن كان بصحبته والاتصالات التي تلقاها في فترة الاخيرة.‏

اجراءات احترازية

وفي معلومات خاصة لـ النشرة"، فان العقيد زيدان أحاط نفسه باجراءات احترازية دون ان يعلن عنها، ‏ومنها حماية مكان ركن سيارته امام منزله في مخيم المية المية القريب من مكتبه، ونصب كاميرات ‏مراقبة في المنطقة، بعد تنبيهات روتينية بضرورة اتخاذ تدابير لمسؤولي الحركة في منطقة صيدا بشكل ‏عام على خلفية الاحداث الامنية الاخيرة.‏

واكدت مصادر فتحاوية لـ"النشرة"، ان لجنة التحقيق تدقق في كيفية زرع العبوة في سيارته، حيث ستقود ‏الى كشف الجناة او الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، وهي تركز على احتمالين، الاول ان ‏مجهولين لصقوا العبوة تحت سيارته اثناء ركنها امام منزله وهناك كاميرات مراقبة ستوضح الامر، ‏والثاني اثناء مشاركته في اجتماع اللجنة الامنية الفلسطينية العليا عند مدخل المخيم، حيث دلت ‏المعلومات الاولية انه غادر منزله قرابة العاشرة والربع صباحا، ووصل الى مكان الاجتماع بعد خمس ‏دقائق، ثم شارك فيه حتى الثانية ظهرا تقريبا، ثم توجه مباشرة الى عين الحلوة، وهو كان على اتصال ‏مع مسؤولي الحركة لحضور اجتماع مماثل، حيث انفجرت العبوة عند مستديرة "الاميركان" والتي قدر ‏زنتها الخبير العسكري بنحو كيلوغرام من المواد الشديدة الانفجار. ‏

واشارت الى ان من عادة العقيد زيدان المرور عبر طريق "الفيلات" حين يقصد عين الحلوة ولكنه ‏اضطر للالتفاف الى مستديرة الاميركان لان الطريق مقفلة بسبب توسعة جامع الامام علي بن ابي ‏طالب ولا علاقة للامر بالحادث على الاطلاق بل مجرد مصادفة، موضحة ان التركيز الاخر ينصب ‏على معرفة هل فجرت العبوة لاسلكيا ام عبر ساعة توقيت وهو المرجّح. ‏

حداد وتشييع

وعلى وقع حداد واضراب يعم المخيمات الفلسطينية في لبنان واقفال كل المؤسسات التربوية والصحية ‏والاجتماعية التابعة لوكالة "الاونروا" حزنا واستنكارا لجريمة الاغتيال، تشيع حركة "فتح" وفصائل "منظمة ‏التحرير الفلسطينية"، العقيد زيدان عصر اليوم (الاربعاء) بعد اتمام الاجراءات الرسمية اللبنانية، ومنها ‏فحص "دي ان اي" واعداد تقرير طبي تفصيلي.‏

مراسم التشييع التي ستحاط باجراءات امنية مشدّدة، ستبدأ بنقل جثمان زيدان من براد مستشفى ‏‏"الهمشري" الى منزله في مخيم المية ومية لالقاء نظرة الوداع الاخيرة عليه من قبل زوجته واولاده واهله ‏واقاربه، لينقل الى مسجد "عمر بن الخطاب" في المخيم حيث سيصلى على جثمانه، قبل ان ينطلق ‏الموكب سيرا على الاقدام حتى حاجز الامن الوطني والقوة الامنية المشتركة عند مدخل المخيم، ليوارى ‏الثرى في مدافن صيدا الجديدة في سيروب.‏