يتنقل "الدبّور التركي" من الشيشان إلى القرم إلى "ناغورنوقره باغ"بين أرمينيا (المسيحية) ‏وأذربيجان (الإسلامية)، في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة الجيوسياسي والديني، بعدما شعرت ‏تركيا أنها خارج دائرة المشاركة والقرار في المفاوضات السورية - السورية، والتي احتكرتها ‏السعودية بما يسمى"معارضة الرياض"، وبعد إبعاد تركيا من الساحة المصرية عبر إسقاط حكم ‏‏"الإخوان المسلمين" لصالح النفوذ السعودي، وخسارة الورقة الكردية وانقلابها على الساحة ‏التركية،والتوسع الكردي وصولاً لإعلان بعض القوى الكردية السورية منطقة للحكم الذاتي في ‏شمال سورية على الحدود التركية، مما أصاب أنقرة بخسارة مثلَّثة الأضلاع في أحداث "الربيع ‏العربي"، فخسرت الساحة المصرية والساحة السورية، وتحمّلت عواقب الإرهاب "الداعشي" ‏المنقلب عليها أو الموجَّه سعودياً أو أميركياً لتأديب الاندفاع والشغب التركي،أو عبر عمليات الثأر ‏الكردية من الحكومة التركية، رداً على قصف المناطق الكردية وحزب العمال الكردستاني في ‏تركيا وشمال العراق.‏

حرّكت تركيا الجبهة الأرمنية - الأذربيجانية لـ"التحرّش" بالروس، ولإظهار قدرتها على ‏امتلاك القدرة على زعزعة الأمن الروسي في الجمهوريات الإسلامية الواقعة ضمن الاتحاد ‏الروسي، وكذلك ضمن روسيا، عبر العمليات الانتحارية أو العبوات الناسفة في الساحات ‏والقطارات ضد المدنيين؛ مثلما حدث مؤخراً في إقليم "ستافروبول".‏

يحاول أردوغان فرض نفسه في المشهد الإقليمي بكل الوسائل، سواء بالإرهاب "المقنَّع" عبر ‏الجماعات التكفيرية في أوروبا وروسيا والقوقاز،أو عبر إعادة التحالف الاستراتيجي مع العدو ‏‏"الإسرائيلي"،أو إثارة الفتنة المسيحية - الإسلامية داخل الاتحاد الروسي،أو على حدوده، ‏لتحويل الصراع داخل الاتحاد الروسي إلى صراع ديني يُشعل روسيا من الداخل بناء لأوامر ‏أميركية؛ في تكرار لما حدث في أفغانستان مع الاتحاد السوفياتي السابق، حيث يشعر ‏الأميركيون بأن تفرُّدهم في حكم العالم لم يدُم طويلاً، وأن "الميت" الذي دفنوه (الاتحاد ‏السوفياتي) عاد إلى الحياة عبر روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، ومن خلال النافذة السورية بدأت ‏تتشكل ثنائية عالمية (روسيا - أميركا)، وهذا ما لا ترغب فيه أميركا ولا تستطيع تحمُّله أو ‏قبولالمساكنة السياسية مع هذا المولود السياسي الجديد، لذا فقد شنّت أميركا هجوماً شاملاً على ‏روسيا عبر ثلاثة محاور وفق الآتي:‏

‏1-‏ محور العقوبات الاقتصادية، سواء عبر الحصار الاقتصادي الأوروبي والأميركي،أو عبر ‏خفض سعر النفط بواسطة دول الخليج، لزعزعة الميزانية الروسية، وتقليص هامش ‏المناورة والحصانة للحكومة الروسية.‏

‏2-‏ محور أحداث أوكرانيا وجزيرة القرم، والتي خرجت منه روسيا بربح جزئي (القرم)، لكنها ‏تعيش قلقاً وتوتراً دائماً مع أوكرانيا؛ نافذة "الناتو" على الاتحاد السوفياتي، بل في عقر دار ‏الفضاء الأمني الروسي.‏

‏3-‏ محور الجبهة الأرمنية - الأذرية، التي إن توسّعت ستكون لها انعكاساتها الكبرى بأضعاف ‏ما أحدثته الشيشان سابقاً، خصوصاًأن روسيا، حتى في موسكو، يعيش فيها أكثرمن مليوني ‏مسلم، مضافاً إليهم حوالى مليونين في إقليم موسكو، ويُمسكون بمفاصل اقتصادية هامة، ‏والكثير من المساجد يمكن أن يتسلل من خلالها الإرهابيون الذين ترعاهم تركيا ‏و"الوهابية"، لشنّ حرب دينية داخل روسيا، مع كل الدعم الذي ستقدّمه أميركا وحلفاؤها ‏لفرملة الاندفاع الروسي خارج الحدود، خصوصاً في سورية ومنطقة البحر المتوسط.‏

إن المتضرر الرئيسي من أحداث أرمينيا - أذربيجان هم الروس وإيران؛ لحساسية الموقع ‏والموقف، ولذا فإنه يجب النظر إلى أحداث "قره باغ" على أنها امتداد للميدان السوري ‏وجبهة حلب، عبر العامل والمحركالتركي، واشتعاله سيحوّل الإقليم من سورية إلى روسيا ‏وجمهورياتها الإسلامية، إلى ساحة ميدان واحدة، وإن تباعدت الجغرافيا.‏

ويبقى السؤال: هل ينجح أردوغان في أذربيجان بعد خسارته في سورية، أم ينجح الروس ‏والإيرانيون في كبح جماح "الدبّور" التركي؟