ليس غريباً على من وقف إلى جانب العدو "الإسرائيلي" خلال عدوان تموز 2006، واتهم المقاومة بـ"المغامرة"، أن يكمل حربه "الإسرائيلية" ضد هذه المقاومة، ويسعى جاهداً لكمّ صوتها ومنعها من إيصال كلمتها إلى جمهورها العربي والإسلامي، وإلى كل أحرار العالم.
حقيقة لا بد من مراعاتها عند النظر إلى القرار السعودي - المصري بوقف بث قناة المقاومة "المنار" من أقمار "نايل سات" الصناعية المصرية، بحجج واهية، في خطوة جاءت بعد أشهُر عدة على إقدام "منظمة الاتصالات الفضائية العربية" (عربسات) التي تمتلكها جامعة الدول العربية، على وقف بث "المنار" من أقمارها الفضائية هي الأخرى، وبقرار سعودي كذلك.
بداية، من المفيد الإشارة إلى حملة الرشاوى وبث مليارات الدولارات السعودية قبيل كل لقاء عربي وإسلامي، لشراء الذمم الضعيفة، واستغلال حاجة بعض الدول وحُكّامها إلى المال النفطي؛ هكذا جرى شراء المواقف لحصار سورية في اجتماعات الجامعة العربية ووزاراتها، فأصبحت سورية خارجها.. وهكذا يجري الأمر تجاه حزب الله ومؤسسته الإعلامية ذات الشعبية الكبيرة، حسب اعتراف الإعلام الملكي نفسه، وهو ما طبّق من قبَل "عربسات" ثم "نايل سات"، بعد أن نجح المال السعودي في توصيف المقاومة في لبنان بأنها "إرهابية"، من قبَل بعض مؤسسات الجامعة العربية، التي لا يُستبعد تغيير اسمها لتصبح "عبرية"؛ انسجاماً مع المسار السعودي الذي لا يُخفي سعيه لإقامة تحالف مع "الكيان العبري" الذي يحتل فلسطين ويقتل شعبها كل يوم.
إلا أن ما لا يجب تجاهُله، أن لكلا القرارين وجهه اللبناني، مثلما كان للتآمر العربي عام 2006 وجهه المحلي. في ذلك الوقت خرجت أصوات "لبنانية" تدافع عن العدوان الصهيوني بالفم الملآن، وتقول بكل وقاحة إن العدو لم يعتدِ على لبنان، بل إن المقاومة هي التي اعتدت عليه. وعندما قررت "عربسات" وقف بث "المنار" من قمرها، قابلت الحكومة اللبنانية ذلك بصمت، يشبه الموافقة، مع أن من حقها الاعتراض ودعوة الجمعية العمومية للمنظمة الفضائية العربية للانعقاد، والتصدي للتفرد السعودي بالقرار، خصوصاً أن لبنان مساهم في إنشاء وتمويل هذه المنظمة، بغض النظر عن نسبة وحجم المساهمة التي تختلف بين دولة وأخرى.
هذا السكوت الرسمي اللبناني المتواطىء، لعله أحد أسباب الاستشراس السعودي في محاربة المقاومة، وفي السعي إلى الانتقام منها، لمساهمتها الفاعلة في إفشال المؤامرات التي تنفّذها السعودية في المنطقة العربية خدمة للمشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، والتي دمرت كلاً من العراق وليبيا وسورية واليمن، ونشرت التوتر في لبنان، وتستغل حاجة مصر وأزمتها المادية لابتزازها في أمنها وسيادتها وقرارها المستقل.
كذلك فإن علامات استفهام كثيرة توجَّه إلى الموقف الرسمي اللبناني في عدم التجديد لـ"نايل سات" لتُواصل بثّها من محطة جورة البلوط في لبنان؛ في تقصُّد لإيجاد حجة تنقل البث إلى الأردن، ما يسهّل تنفيذ القرار بحق "المنار"، علماً أن سكوت الحكومة اللبنانية ووزارة الإعلام عن هذه الخطوة يعني الموافقة على إقفال محطة جورة البلوط.
اللافت في هذا المجال أن الفريق السياسي اللبناني السائر في الركاب الأميركي - السعودي لم يهدأ منذ العام 2005 في المزايدة برفع شعارات "الحرية" و"السيادة"، وهاهم رموز هذا الفريق خُرْس بُكْم ولا ينطقون بكلمة ترفض التعرّض السعودي لحرية الرأي والكلمة، لأن "المنار" مؤسسة مرخَّصة من الدولة اللبنانية وتخضع للقوانين اللبنانية، ومحاسبتها شان سيادي لا سعودي، والأمر نفسه يقال عن موقف هؤلاء الساسة في صمتهم المريب عن الإساءة إلى الدولة والعلم اللبناني، من خلال سكوتهم عن "كاريكاتير" نشرته جريدة سعودية تتبع مباشرة للملك الحالي، فالمال السعودي أفسد ضمائرهم وأسقط عنهم "ورقة التوت" التي يدّعون فيها الوطنية، بل إن هذا الإفساد السعودي بات يطال كل شأن تتولاه جماعة أميركا والسعودية في لبنان؛ من النفايات التي تهدد صحة اللبنانيين، إلى شبكات الاتجار بالبشر (الدعارة) التي يديرها محسوبون على داعمي ما سُمي "الثورة السورية"، وصولاً إلى فضيحة "الإنترنت غير الشرعي"، التي تولّد فضائح كل يوم، خصوصاً في ظل ما يتردد عن ضغوط على القضاء اللبناني للفلفة الأجزاء الخطيرة منها.
إنه الإفساد الأميركي - السعودي الذي ينتشر كالفطر ويشوّه كل جميل في بلادنا.. وهل ننسى اعتراف السفير الأميركي الأسبق جيفري فيلتمان بأنه صرف أكثر من خمسمائة مليون دولار لتشويه صورة حزب الله؟!