بعد اسابيع قليلة، تحل الذكرى العاشرة للعدوان الاسرائيلي على ​لبنان​ بما اصطلح على تسميته في اسرائيل ‏بـ"حرب لبنان الثانية" والتي خلقت ما خلقته من معطيات ومعادلات ووقائع جديدة، ارست قواعد بات من ‏الصعب تغييرها او تخطيها عند وضع حسابات الحرب او الاعتداء على لبنان مجدداً.‏

اليوم، وقبل اسابيع على هذه الذكرى، قررت اسرائيل احياءها على طريقتها السياسية الخاصة، اذ عمد وزير ‏الدفاع موشي يعلون الى تعيين "​أوري آدم​" مديراً عاماً لوزارة الدفاع. الخبر له وقع عادي في بادئ الامر، ‏ولكن الامور تختلف حين يُعرف ان آدم كان منذ عشر سنوات قائد المنطقة الشمالية لإسرائيل مع كل ما ‏يعنيه ذلك من أمور.‏

تميّز آدم عن سواه من كبار الضباط في تلك الحقبة، ليس عبر العمل الميداني او العسكري، بل عبر ‏القرار الذي اتخذه بعد شهر على نهاية المعارك، بالمغادرة وعدم الالتفات الى الوراء، فيما تمسك الآخرون ‏بمراكزهم قبل ان تتم اقالتهم واحداً تلو الآخر.‏

من المفيد ان يتواجد في منصب مدير عام وزارة الدفاع شخص عاين المشاكل والصعوبات والتحديات ‏والمخاطر التي ترتبت حين قرر مسؤولو اسرائيل الدخول في حرب مفتوحة مع لبنان حددوا قواعدها سلفاً، ‏وهي القضاء على هذا البلد بأيّ وسيلة عسكرية متاحة. ان من شأن وصول آدم الى ثاني اعلى منصب في ‏وزارة الدفاع الاسرائيلية، دليل على مدى الحاجة الى رجل عسكري من جهة، انما يدرك قيمة القرارات ‏الشاملة التي تتخذ وتنعكس سلباً على معنويات الجنود وقوتهم، ولا يقلل من حجم وخطورة من يواجههم ‏الجنود الاسرائيليون، واستراتيجية هؤلاء الفاعلة التي "لجمت" اسرائيل جغرافياً وميدانياً، ولو انها لم تتمكن ‏من لجم جموحها العنفي بحق الاطفال والنساء.‏

يأتي تعيين آدم بعد توليه رئاسة فرع التكنولوجيا والمديرية اللوجستية في رئاسة الاركان، والمدير العام ‏لمركز الابحاث النووية في صحراء النقب ورئيس مجلس ادارة الشركات العسكرية الاسرائيلية.‏

اهتمت اسرائيل بما يحصل حالياً في المنطقة، واختار يعلون تزكية "آدم" وتفضيله على سواه من ذوي ‏السير الذاتية الاهم عسكرياً، ليس من باب الاعجاب والمحبة، بل من باب الاستماع الى العقلانية والخبرة ‏في التجارب، خصوصاً في ظل المعطيات الجديدة التي طرأت بعد العام 2006 والتي هدد فيها "حزب الله" ‏باستعمال القدرات النووية الاسرائيلية لتدمير اسرائيل، او على الاقل لالحاق الاذى الفادح بها. راهن يعلون ‏على ان المدير الجديد للوزارة سيعد للعشرة بل لن يقدم نصائح متهورة سيدفع ثمنها الاسرائيليون غالياً، وهذه ‏الافضلية هي التي جعلت من "آدم" مثالياً للمنصب رغم انه على خلاف مع العديد من كبار ضباط الجيش ‏الاسرائيلي الذين ينظرون اليه بنظرة غضب كونه لم يتمكن من انقاذ صورة اسرائيل عام 2006، فيما اليوم ‏اصبح مطلوباً منه التنسيق مع هؤلاء الضباط بحكم مركزه الجديد الذي اسند اليه.‏

مرة جديدة تحوّل لبنان الى نقطة اساسية في التعيينات الاسرائيلية، انما هذه المرة، يظهر ان نيّة المسؤولين ‏العسكريين في اسرائيل، لا تنحو نحو الدفع الى المواجهة العسكرية، بل الى التروّي والاستفادة من الخبرات ‏وتقديم النصائح العمليّة البعيدة عن التهوّر والاندفاع واسقاط حسابات الحقل والبيدر.‏

ان شبكة الاتصالات التي سيقودها آدم بحكم وظيفته الجديدة، ستثير دون شك امتعاض الضباط ‏والعسكريين الذين لا يروق لهم التعاطي معه، ولكنها ستبقى ضمن الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها ‏اسرائيل على ما يبدو، والقائمة على تجنب المواجهة المباشرة على جبهتها الشمالية دون دراسة العواقب، ‏مع كل ما يعنيه ذلك من تقييم للتهديدات التي اطلقها "حزب الله" في الآونة الاخيرة اذا ما هاجمت اسرائيل ‏لبنان.‏

حضر لبنان في حسابات التعيين في وزارة الدفاع الاسرائيلية، والذكرى العاشرة للعدوان لم تكن محطة عابرة ‏بل محطة عبرة للاسرائيليين قرروا التعلم منها للمرحلة المقبلة، في انتظار ما ستحمله الايام للمنطقة ‏بأسرها.‏