مع إنتهاء الجولة الأولى من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة، كان من المُمكن تسجيل ملاحظات عدّة، بعد أن أظهرت نتائج المنافسات في بيروت والبقاع أكثر من فريق رابح وأكثر من فريق خاسر. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: تبيّن أنّ الدعم الذي أظهره العديد من اللبنانيّين لمُرشّحي لوائح "المُجتمع المدني" هو رقمي وليس فعليًّا، أيّ مُجرّد دعم كلامي على شبكات التواصل الإجتماعي من دون ترجمة ميدانيّة مُهمّة لهذا الأمر، علمًا أنّ الكثير من الداعمين المُفترضين لا يُصوّتون في بيروت، إضافة إلى إنقسام مُرشّحي "الناشطين المدنيّين" على أكثر من لائحة، ما أدّى إلى شرذمة أصوات داعميهم، وفوز "لائحة البيارتة" بالكامل، إضافة إلى تأكيد إستمرار إمساك "تيّار المُستقبل" باللعبة في بيروت مُستفيدًا من العامل المذهبي. ويُمكن القول إنّ ناشطي "المُجتمع المدني" الذين حصلوا على دعم مالي وإعلامي من تحت الطاولة فوّتوا فرصة تاريخيّة لإثبات حُضورهم، على الرغم من أنّهم خاضوا الإنتخابات في وقت مثالي، وتحديدًا في الوقت الذي لا تزال فيه روائح النفايات المُكدّسة تفوح في هواء العاصمة. وهم خاضوا "معركتهم" ضُدّ لائحة "أضداد" لم يقتنع بها الكثيرون، وفي ظلّ نسبة مُشاركة متدنّية نسبيًا من مناصري "تيّار المُستقبل"، وكذلك في ظلّ إرباك وبلبلة على مُستوى القاعدة "العَونيّة" في بيروت والتي منحت لائحة "​بيروت مدينتي​" الكثير من الأصوات، مخالفة تعليمات رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون. وعلى الرغم من كل ذلك، فشلت لوائح "المجُتمع المدني" في إحداث أيّ خرق، كما توقّعنا في العديد من المقالات السابقة، كون الأعضاء فيها يفتقرون إلى خبرة العمل السياسي المُنظّم والمُوحّد، ولأنّ الولاء الحزبي والمذهبي والطائفي في لبنان يتقدّم وبأشواط على أيّ ولاء آخر، بعكس ما يظنّ الكثيرون. وهذا الأمر شكّل ضربة قاسية لتحرّكات ناشطي "المُجتمع المدني" سيصعب الخروج من إرتداداتها في المُستقبل القريب، على الرغم كل الخطابات المُعاكسة لذلك والتي تُحاول رفع المعنويات.

ثانيًا: أثبت "حزب الله" مُجدّدًا قُدرته المتفوّقة على باقي الجهات السياسيّة على صعيد التجييش الشعبي، حتى على مُستوى إنتخابات بلديّة، وقُدرته على تجيير الأصوات ضمن كتلة مُوحّدة ومُتجانسة لصالح هذه اللائحة أو تلك أو هذا المرشّح أو ذاك. وهذا الأمر الذي يُؤكّد التأثير السياسي للحزب في مناطق نُفوذه، ويُثبّت قُدرته على تشكيل "محادل" إنتخابية قادرة على جرف أيّ مُعارضة داخليّة له، كما حصل في العديد من بلدات مناطق بعلبك-الهرمل مثلاً، يُشكّل في المُقابل خطرًا على الدوائر الإنتخابية المُختلطة، حيث أنّ أيّ طرف سياسي في موقع الخصم للحزب سيكون عليه مُواجهة آلاف الأصوات التي تصبّ ضدّه دفعة واحدة بأمر من قيادة الحزب، كما حصل لفريقي "القوّات" و"الكتائب" في زحلة على سبيل المثال لا الحصر، علمًا أنّ ناخبي "حزب الله" في زحلة شكّلوا لائحة مُركّبة تضم مرشّحين مُختارين من اللائحة المدعومة من السيدة ​ميريام سكاف​ ومن اللائحة التي يرأسها السيد موسى فتّوش، إضافة إلى المرشّحين "العَونيّين" فقط على لائحة "إنماء زحلة". وبالتالي، لو كان حجم الناخبين الشيعة أكبر في زحلة، لكان "الحزب" قلب نتيجة التصويت المسيحي رأسًا على عقب.

ثالثًا: على الرغم من أنّ "معركة" زحلة البلديّة تمّت بين ثلاث لوائح مسيحيّة بأغلبيّتها الساحقة، كان لافتًا أنّ نسبة مُشاركة الناخبين المسيحيّين بلغت 35 % فقط، في مقابل 49 % للناخبين الشيعة و51 % للناخبين السنة، بغضّ النظر عن محدوديّة أصوات المُسلمين نسبة إلى أصوات المسيحيّين في هذه المنطقة، ما أظهر أنّ التجييش المذهبي السنّي والشيعي أقوى من التجييش المسيحي، علمًا أنّ هذا الواقع لم يقتصر على زحلة، بل طال أغلبيّة المناطق التي شملتها إنتخابات الأحد. وكان واضحًا أنّ أغلبيّة أصوات الناخبين السنّة والشيعة على السواء، صبّت ضُدّ لائحة الأحزاب المسيحيّة الثلاث: "القوّات" و"التيّار" و"الكتائب"، في تطوّر لافت قد يكون له تأثيرات كبيرة على الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، في حال بقاء التحالفات كما هي عليه حاليًا. لكن وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من غياب المرجعيّة الكاثوليكيّة القويّة للائحة "إنماء زحلة"، بمواجهة مرجعيّتين تتمتّعان بتاريخ طويل من الخدمات مع أبناء زحلة، الأمر الذي ظهر في التأييد الساحق لموارنة زحلة للائحة الأحزاب، في مُقابل دعم أقل إندفاعًا بكثير من جانب كاثوليك زحلة، نجحت لائحة "الأحزاب" في تحقيق الفوز الكبير على خصميها اللذين حاولا إظهار حجمهما الشعبي تحضيرًا لتحالفات الإنتخابات النيابيّة، ما أثبت وفاء أهل زحلة للقادة المسيحيّين الكبار، وللأحزاب المسيحيّة الرئيسة، وتقديمهم الإعتبارات السياسيّة على الإعتبارات المذهبيّة والمناطقية والإقطاعيّة والعائليّة.

رابعًا: أظهرت نتائج الدورة الأولى من الإنتخابات البلديّة والإختياريّة إلتزامًا مسيحيًا واسعًا بالتحالف بين "التيار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة"، مع إستثناءات محدودة. ونجح هذا التحالف في تأمين الفوز في الكثير من القرى والبلدات التي جرت فيها عمليّات التصويت، إضافة إلى تحقيقه الفوز لعدد كبير من لوائح المخاتير أيضًا، منها مثلاً لائحة مخاتير "التوافق المسيحي" في بيروت بنتيجة كاسحة بلغت 40 - 0(1)، الأمر الذي يعد بإمكان البناء على هذا التحالف لتثبيت ركائزه أكثر فأكثر في المُستقبل القريب، لما فيه مصلحة المسيحيّين العليا.

في الختام، لا شك أنّ نتائج الجولة الأولى من الإنتخابات البلدية والإختياريّة أظهرت، ولو بنسب متفاوتة، فوز كل من "القوات" و"التيار" و"المُستقبل" و"حزب الله"، في مقابل خسارة "المُجتمع المدني" و"الكتلة الشعبيّة" والوزير السابق نقولا فتوش والشيخ صبحي الطفيلي والعائلات الشيعيّة المنافسة لـ"حزب الله" في بعلبك-الهرمل. وأظهرت نتائج الجولة الأولى أيضًا، تأثر الصوت المسيحي في العديد من المناطق بالصوت المُسلم، أكان شيعيًا أم سنّيًا، بحيث صار لزامًا على الأحزاب المسيحيّة، وأكثر من أيّ وقت مضى، خوض معركة إستبدال القوانين الإنتخابيّة الحالية، لا سيّما النيابيّة منها، بأخرى جديدة تُحرّر الصوت المسيحي من الأصوات التي تقوم بتغيير نتيجة تصويته، بتكليف شرعي هنا وبتوصية "زي ما هيّي" هناك!

(1)فازت هذه اللائحة المدعومة من "التيار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة" و"الكتائب اللبنانيّة" و"الطاشناق" إضافة إلى الوزير ميشال فرعون.