قد يكون الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله محقاً في مطالبته جمهوره الوفي والبيئة الصادقة للمقاومة بأن يصوّت بكثافة لصالح لوائح التحالف البلدي والاختياري في الجنوب بعدما لبّت هذه القواعد النداء في البقاع والهرمل وبعلبك والضاحية. وينطلق نصرالله و"حزب الله" في مقاربتهما للاستحقاق البلدي، اذ ثمة مراهنة ممن يقودون حملة الاسقاط السياسي والمالي والامني والاعلامي والاقتصادي للمقاومة وبيئتها الحاضنة، ان تشعر بالضيق والحرج والاختناق من جراء خيارات الحزب لتغيّر رأيها وتصبح في المعسكر المعادي للمقاومة. وفي حين سيبقى اخصام الحزب متمسكين بمقولة هيمنة السلاح ومصادرة الحرية والرأي الآخر والتعبير الصادق عن الخيارات الشعبية، يشعر "حزب الله" ان هناك فريقاً لبنانياً ويتبع له عدد من المصارف متماه كلياً مع الحملات السعودية والاميركية والاسرائيلية لاسقاط كل الشرعية عن المقاومة في بيئتها الحاضنة. فإذا كانت البداية من اغلاق حسابات النواب والوزراء في الحزب المالية والمصرفية، فما المانع من إكمال الحملة تدريجياً لتشمل المطالبة بإسقاط عضوية نواب ووزراء الحزب تحت حجة انه "حزب ارهابي محظور" على اللوائح الاميركية والاوروبية والخليجية؟!

لذلك كله يتوجه الحزب الى جمهوره في الجنوب ليؤكد انه اكثر تصميماً عمّا مضى في احتضان مقاومته وان يكون وفياً لدماء شهدائه. في المقابل يعرف السيد نصرالله كما قيادة حركة امل ان هناك تغيراً في المزاج الشعبي ليس في اتجاه المقاومة وخياراتها الداخلية وفي سورية او انتقاصاً من تضحياتها التي لا يمكن لاحد ان يبخسها حقها فيه. ولكن خلال تجربة الانتخابات البلدية منذ العام 2004، افرزت في بعض المناطق والبلديات طبقة من الفاسدين والمتنفعين ومن المحتمين بأمل وحزب الله ومن "الضاربين" بسيفهما. فكل شيء مباح لهم، من التعدي على الاملاك العمومية والمشاعات بالاضافة الى تنفيعات للمحازبين والموالين والانصار والاقارب وممن تجمعهم بـ"الريس" وحاشيته. وصحيح ان قرارات جريئة اتخذها الثنائي الشيعي بحق بعض الرؤوس الفاسدة التي عاثت طيلة 12 عاماً فساداً، الا انه المطلوب بعد انتهاء الاستحقاق إجراء مراجعة شاملة في كيفية انتقاء الاعضاء البلديين من الرئيس حتى آخر عضو.

فالعمل البلدي ليس تشريفاً او وجاهة او زعامة محلية، لكون البلدية هي عبارة عن جمهورية مصغرة او دولة صغيرة، لها كل مقوماتها من الحيز الجغرافي الى الشعب الى الموازنة المالية التي ترتكز على مصدرين: الاول المسقفات والضرائب البلدية. والثاني: الضرائب والرسوم المستوفاة من عائدات الهاتف.

فالانماء لا يعرف طائفة او مذهبا او حزبا او عائلة. فالسياق الطبيعي للامور ان ينصرف المجلس البلدي في اي بلدة جنوبية او شمالية او في اي مدينة لبنانية، الى محاكاة الواقع الانمائي للبلدة من مياه الشفة الى المجاري الصحية والطرقات الداخلية في اقل الايمان، واذا توفرت العائدات المالية لا بد من جدران دعم وحدائق عامة وصولاً الى مكتبات عامة ومراكز مطالعة من دون اغفال التقديمات الصحية لاصحاب الحاجات الصعبة والخاصة والمستوصفات الخ.

كل هذه الحاجات التي لم تلب في بعض البلديات الجنوبية، في حين قامت اكثر من نصف البلديات بما هو مطلوب منها على الاقل، تدفع الناس من مؤيدي حزب الله وحركة امل وهم اكثر من الثلثين حسب احصاءات حزبية اجريت اخيراً والاحزاب اليسارية والبعثية والقومية، الى رفع الصوت مطالبة بالتغيير وإزاحة الفاسدين واتاحة المجال لطاقات شابة ولدم جديد من اصحاب الكفاءة والاختصاص.

فليس عيباً ان يزاح رئيس بلدية فاسد او ان يبدل كل المجلس البلدي بما فيه الموظفون الاداريون وحتى الشرطة البلدية. فهؤلاء انتخبهم الناس او توافقت العائلات والاحزاب عليهم ليخدموا بلدتهم وليقوموا بواجبهم الرسمي والوطني والديني والشرعي تجاه شعبهم وبلدتهم، لا ان يمعنوا في ارتكاب المحرمات المالية والعقارية والبلدية. وعند رفع الصوت ضدهم يخلطون الحابل بالنابل ويكفرون الناس ويتهمونهم بالارتهان والعمالة وما الى ذلك.

تحصين المقاومة لا يكون فقط بتعزيز التأييد الشعبي لها، ولا يكون بكثرة التضحيات والشهداء والجبهات المفتوحة وهو امر مشهود ومشكور ويمتن له كل اللبنانيين والجنوبيين، بل ايضاً بالوقوف على رأي الناس والاستماع الى مطالبهم والاخذ بها وعدم احتكار الانماء والهبات والعطايا والوظائف والمغانم لحزب من دون آخر او لفئة دون اخرى او لعائلة دون أخرى، ومن كان خارج هذه الفئات الثلاث لا حول له ولا قوة.

حماية المقاومة هي بحماية شعبها وتحصينه من السوس والعفن ومن الحاجة والجوع والمرض. وحماية المقاومة بحماية شعبها وتحصينه بالعمل والخير والثقافة وتعزيز الانتماء الفكري والديني الى الخط الجهادي الاصيل.

فلولا الاحتضان الشعبي الذي شكل خزان المقاومة البشري والمادي والمعنوي، لما نجحت المقاومة في تحرير القسم الاكبر من الجنوب. ولولا الدعم الاعلامي والسياسي والاجتماعي الذي قدمه المجتمع المدني وكوادره في الاعلام والمجتمع والجمعيات، لما استمرت المقاومة على تماس مع بيئتها اولاً ومع جمهورها الوطني ثانياً، ومع باقي الاحزاب والقوى السياسية الشريكة في الحيز الجغرافي والسياسي والوطني.

حماية المقاومة بمحاسبة الفاسدين في كل لبنان وفي بيئتها الحاضنة خصوصاً وبالاستماع والمصارحة مع كل مكوناتها. فلا مقاومة شاملة الا بمراجعة شاملة والتحديات كثيرة والامثلة والشواهد كذلك ومن يعش ير ويحكم.