لم تكد تطلع ساعات الفجر الاولى لتحمل معها الارقام التي حققها المجلس البلدي الجديد في طرابلس والذي "اكتسح" مقاعده وزير العدل المستقيل اشرف ريفي، حتى اعلن النائب ​روبير فاضل​ تقديمه استقالته كنائب عن طرابلس.
واصدر فاضل بياناً شرح فيه اسباب الاستقالة واهمها عدم رضاه عن عدم تمثيل طوائف في المجلس البلدي، ودعوة الى اعادة النظر بقانون انتخاب البلديات، مستذكراً كيف ان نيابته "تشظت وتضررت بالتمديد المتكرر"... في المبدأ ينتهي الموقف عند هذا الحد، ولكن في السياسة، تبدأ المواقف بالتتالي انطلاقاً من هنا.
بداية، وكما اصبح معروفاً، لا تأخذ الاستقالة معناها الحقيقي ما لم يتقدم بها النائب خطياً الى رئيس المجلس الذي يتلو مضمونها امام الهيئة العامة، وبعدها يتم العمل على انتخاب نائب بديل خلال مدة شهرين. هذا الامر لم يحصل، ففي غياب موقف رسمي لرئيس المجلس نبيه بري، تكفّلت المصادر بالتشديد على ان بري لن يقبل الاستقالة، وبالتالي فإن الهدف منها اخذ مسارا آخر.
ما معنى ان يتقدم نائب مسيحي باستقالته في مدينة انتخبت مجلس بلدية غاب عنه التمثيل المسيحي والعلوي؟ باختصار: لا معنى لها. فاذا سارت الاستقالة وفق السبل القانونية اللازمة، فان الانتخابات الفرعية ستأتي بنائب مسيحي ينتخبه اولئك الذين انتخبوا المجلس البلدي، أيّ أن ميوله السياسية والفكرية ستكون نفسها، وبالتالي فإن المردود من الناحية السياسية سيعمّق خسارة الطرف المناهض لريفي وسيزيد من هالة الأخير الطرابلسيّة بعد ان يدخل نائباً من خطه السياسي الى مجلس النواب.
هذا الامر سيكون مردوده كارثياً، ليس فقط على تيار المستقبل ورئيسه ​سعد الحريري​ الذي قد يجد مؤيدوه ان انتقالهم الى صف ريفي افضل بكثير، بل على رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ والوزيرين السابقين ​محمد الصفدي​ و​فيصل كرامي​ والفعاليات الطرابلسية التي ستجد نفسها على قدم المساواة السياسية مع اللواء المتقاعد، فهل يمكنهم استيعاب ذلك؟
ومن الناحية الاخرى، فإن الاستقالة الآن تعتبر اسوأ رد من قبل الطرف الخاسر للانتخابات البلدية، في حين ان التركيز يجب ان يكون على كيفية استعادة الشارع السنّي في طرابلس والانطلاق منه الى الطوائف الاخرى التي تتشكل منها المدينة ولو وفق مفهوم الاقليّة.
يمكن ان يكون فاضل قد قرأ ما فعله ريفي في مجلس الوزراء، حين اقدم على الاستقالة شكلياً وبقي في الحكومة فعلياً، لكنه كسب تأييد شريحة كبيرة من الطرابلسيين، فلماذا لا يفعلها هو مع المسيحيين؟ فاستقالته الشكليّة من مجلس النواب لن تقدّم ولن تؤخر، فلا قرارات تحتاج الى صوته ولا احراج في عدم حضوره الجلسات المعدودة والنادرة للمجلس.
بالنسبة لرئيس تيار "المستقبل"، فقد تكون استقالة فاضل مفيدة له، اذ يمكن اعتبارها نداء استغاثة للمسيحيين ليتحركوا في طرابلس، ويتخذوا موقفاً مناهضاً لريفي، وفحوى النداء انه يجب انقاذ المناوئين سياسياً لريفي من اجل بقاء المسيحيين، وبالتالي فإن المعادلة المطروحة عبر هذا المفهوم هي انقاذ متبادل بين المسيحيين والتحالف الذي سقط في ​الانتخابات البلدية​ الطرابلسية.
هي اذاً اقرب الى لعبة "شدّ الحبال" منها الى استقالة حقيقية واشمئزاز من الوضع القائم، ولم تكن الجملة الاخيرة من بيان استقالة فاضل مقنعة، ولو انها اتسمت بأسلوب فلسفي كمثل القول "لما كانت نيابتي إستقالت من ذاتها؛ وكانت قد تشظت وتضررت بالتمديد المتكرر"... فلو كان الامر كذلك بالفعل، لماذا الانتظار كل هذه الفترة بعد التمديد لتقديم الاستقالة؟ ولو لم تجر الانتخابات البلدية هل كانت انتفت اسباب "التشظّي والضرر"؟ ولو اتت نتائج الانتخابات مغايرة، هل كان تغيّر موقف النائب؟
في المحصّلة، تشبه استقالة فاضل من حيث الشكل استقالة ريفي، ومن حيث المضمون فإنها تشبه استقالة رئيس الحكومة تمام سلام الذي طالما هدّد بها ولوّح بسيفها مراراً وتكراراً دون ان يستعملها، وليس من تبرير منطقي لها سوى انها تحولت الى نداء استغاثة، فهل من يسمع؟