لا بلدية في جزين ولا قائمقام... متروكةً لقدرها تبدو المدينة ولكن ليس لوقتٍ طويل. فنجاحُ الطعن الذي تقدّم به التيار الوطني الحرّ بشخص خليل حرفوش، رئيس اللائحة الذي سقط ضحية “التشطيب العنيف”، يُنقِذ الأمور ويعيد الرجل الى رأس البلدية، أما فشلُ الطعن فيطرح سيناريوهات بديلة ليس آخرها: الاستقالة الجماعية.

حتى الساعة لا يتسلل التجانسُ الى صفوف الناجحين الـ14 في تحالف التيار والقوات وإدمون رزق وبعض العائلات بعدما قرروا بإيعاز من “القيادات العليا” التضامن مع حرفوش وربط مصيرهم بمصيره طالما أن الأربعة الآخرين الذين خرقوا اللائحة بفضل آل الحلو غير قادرين على الاستمرار أو التعطيل. فأيّ سيناريو سينتصر في الأيام القليلة المقبلة المتوقع أن تحمل قرار مجلس شورى الدولة؟ وفي حال ردّ “الشورى” الطعن، هل باتت استقالة الأعضاء الـ14 محسومة بالتنسيق بين الرابية ومعراب؟ وماذا لو استقالوا فعلًا في ظلّ شغور منصب قائمقام المنطقة، أيصبح القرار في يد محافظ الجنوب الى أجلٍ غير مسمّى، أم يُسقِط وزير الداخلية والبلديات عامل “المزاجية” ليلبي طلب الجزينيين بإجراء انتخابات جديدة بصورةٍ مستعجلة؟

مضمون الطعن

كلّ السيناريوهات مطروحة بيد أنها تبقى معلقة في انتظار قرار “الشورى” إزاء الطعن الذي تقدم به حرفوش والمرتبط مضمونُه على ما علمت “البلد” بنوعية الأوراق المُستخدمة المائلة الى “اللمّاعة” الفاضحة حدّ اعتبارها “علامةً” استخدمها فريقٌ على نطاقٍ واسع وأكثر تحديدًا آل الحلو في لوائحهم الموزّعة على من نجحوا في إقناعهم باعتماد لائحتهم سواء في جزين أم في عين مجدلين بصورةٍ أوسع. وعليه، قد تبدو هذه الأوراق في حسابات مجلس “الشورى” ملغاةً وغير قانونية كونها غير معتمدة عالميًا أولًا، وركونًا الى تعميم من وزارة الداخلية والبلديات تزامنًا مع انتخابات الشمال وعكّار يمنع فيه استخدام أوراقٍ مشابهة من شأنها أن تندرج في خانة “التزوير الانتخابي” من باب وصم اللوائح بعلامةٍ تسهّل على واضعها التثبّت من التزام حاملي الورقة بها (خصوصًا المرتشون) . علمًا أن اللغط الذي حصل عشيّة إعلان النتائج النهائية لبلدية جزين إنما مردُّه الى طفرة هذه اللوائح في صناديق جزين وصندوقيْ عين مجدلين وانقسام مواقف رؤساء الأقلام إزاءها بين محتسبٍ بصورةٍ واسعة ولاغٍ بصورةٍ ضيّقة، وبالتالي الاعتراض الذي تقدّم من اللائحة المواجهة على الأوراق القليلة المُلغاة هو الذي عاد ورسم الطريق الى إقصاء خليل حرفوش بفارق صوتين، لا سيّما أن القاضي لدى وصول الاعتراض اليه قرر من باب المساواة أن يعيد احتساب الأوراق طالما أن الأسماء المذكورة عليها واضحة، فحصل ما حصل فجر ذاك اليوم.

كرامة الجزينيين أولًا

اليوم لا يبدو قرار التيار والقوات قابلًا للمهادنة، ولا موقف حرفوش مما حصل على ما يؤكد لـ”البلد”، لافتًا الى أنه “لا يمكن لأحد أن يتحكم بإرادة الجزينيين وقرارهم، فلأبناء المدينة كرامتُهم وبالتالي تبقى عصيّة على قرار اتخذه شخصٌ واحد وعمّمه على بعض الناخبين فقلب المعادلة”. علمًا أن هناك تفاؤلًا كبيرًا في قرار مجلس الشورى الموثوق في نزاهته، خصوصًا أن الطعن المقدَّم اليه “مبكّل” على ما علمت “البلد” من كل النواحي القانونية والتعبيريّة، وكانت للوزير السابق المتبحّر في الدستور والقانون سليم جريصاتي لمساتٌ أساسيّة فيه على سبيل التمتين والإحاطة الكاملة. وتشير الوقائع الرقمية الى أن قبول الطعن قد لا يبدّل كثيرًا في النتائج عدديًا لجهة خرق أربعة أشخاص من اللائحة المواجهة، ولكنه سيكون كافيًا لعودة حرفوش الى الساحة البلدية مع أحد زملائه الأربعة الخاسرين مقابل تراجع صاحب الرقم الأعلى من اللائحة المقابلة وخسارته المعركة لصالح دخول اسمٍ جديد من اللائحة نفسها، خصوصًا أن كلّ المعلومات تؤكد أن آل الحلو لم يكتفوا بشطب أربعة أسماء من لائحة “نحنا لجزين” التي يترأسها حرفوش، بل استبدلوا تلك الأسماء بأربعة أخرى من اللائحة المنافسة لقلب الموازين وضمان فشل حرفوش وثلاثة آخرين شديدي الالتزام مع الرابية وأكثر تحديدًا نائبها الجزيني زياد أسود.

شواهد تاريخية

يحتضن التاريخ القريب الكثير من الشواهد على واحدٍ من سيناريوهين أنتجهما مجلس شورى الدولة: إما إعادة الانتخابات وإما إعلان فوز المرشح الطاعن. على سبيل المثال لا الحصر، وليس بعيدًا من جزين وتحديدًا في قرية صفاريه الواقعة في نطاق القضاء نفسه، أقرّ مجلس شورى الدولة قرارًا حمل رقم 334 في تاريخ 11/1/2011 صادر عن الرئيس البرت سرحان، والمستشارين ميريه عفيف ويوسف الجميل قضى بإبطال انتخاب الرئيس ونائب رئيس المجلس البلدي وإعادة اجراء عملية الانتخاب مجدداً. وفي آب من العام 2004 أصدر “شورى الدولة” 26 قرارًا برفض وقبول طعون بـ “البلدية” و”الاختيارية” برئاسة القاضي غالب غانم في الغرفة التي يترأسها القاضي البرت سرحان، وتوزّعت الطعون على كلٍّ من البلدات الآتية: خربة قنافار، السكسكية، مزرعة آل سويدان، نحلة (بعلبك-الهرمل)، حوش الحريمة، الخنشارة-الجوار (المتن)، الصيفي (الأشرفية)، الحصين (فتوح كسروان)، عين كفرزبد (زحلة)، حراجل (كسروان)، الكفور (النبطية)، حجولا (جبيل)، الغسانية (صيدا)، الفاكهة، مدوخا (راشيا)، القاع ، المعيصرة (كسروان)، عبا (النبطية)، زقاق البلاط (بيروت)، صغبين (البقاع)، المرفأ، حي النوري (طرابلس)، الصويري (البقاع الغربي) وعين الحلزون (عاليه).

مهام “تصريف الأعمال”

إذًا، لا بلدية في جزين ولا انتخاب لرئيس وأعضاء كما في سائر القرى والبلدات التي بدأت الحياة تدبُّ في قصورها البلدية. لا بلدية ولا قائمقام تُسنَد اليه مهام “تصريف أعمال” الجزينيين الى غير موعد. وحده محافظ الجنوب “سينتشي” بصلاحية جديدة لا تناسب أبناء عروس الشلال جغرافيًا وإداريًا. هذه الخشية لن تطيل المكوث في ظلّ جهوزيّة السيناريو الثاني في حال سقوط الطعن في “الشورى” ألا وهو الاستقالة، حينها فقط يُطلَب من الوزير نهاد المشنوق إجراء انتخاباتٍ بلدية لن يرتضي أبناء جزين بأن تكون بعيدة زمنيًا ليعودوا ويخطفوا الأضواء في انتخاباتٍ ثالثة بعد البلدية والنيابية الفرعية.

الرأي القانوني

عن المسار القانوني الذي يسلكه الطعن، يؤكد المرجع الدستوري والقانوني ورئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية الدكتور بول مرقص لـ”البلد” أنه “وفقًا لقانون البلديات الصادر في العام 1977، يتمّ الطعن في صحّة الانتخاب لدى مجلس شورى الدولة في مدة 15 يومًا تلي إعلان النتيجة، وذلك وفق المادة 20 منه، معطوفةً على المادة 63 من قانون مجلس الشورى. وعليه، في حالة حلّ المجلس البلدي واعتباره منحلًا، يتم انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين وذلك للمدة المتبقيّة من ولاية المجلس البلدي. والى ذلك الحين، يتولى القائمقام أو المحافظ أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب المجلس الجديد بقرار من وزير الداخلية حسبما تنصّ عليه المادة 24 من قانون البلديات.