في الوقت الذي تخوض فيه قوات "سوريا الديمقراطية"، مدعومة من الطيران الحربي الأميركي، معركة تحرير مدينة منبج، يبدو أن العين في المرحلة المقبلة ستكون على الباب، في مؤشر إلى الرغبة في قطع خطوط إمداد تنظيم "داعش" الإرهابي من الحدود التركية، فالسيطرة على الشريط الممتد بين المدينتين، تعني إطباق الحصار عليه من ناحية ريف حلب الشمالي، ولكن هل تبقى ​الحكومة التركية​ متفرجة على هذا التحول الذي يعني القضاء على حلم المنطقة العازلة؟

حتى الساعة، عمدت أنقرة إلى التصعيد الكلامي فقط، معترضة على دعم واشنطن قوات حماية "الشعب" الكردي، من دون أن تقدم على تحرك من العيار الثقيل، نظراً إلى عدم القدرة على التدخل المباشر من أجل حماية "داعش"، بعد فشل الفصائل المعارضة، المدعومة من قبلها، في تحقيق أي إنتصار في الحملة التي كانت قد شنتها في الفترة الأخيرة، لا بل هي عادت إلى التراجع سريعاً، بعد تحقيقها تقدماً بسيطاً، أمام هجمات التنظيم الإرهابي.

في هذا السياق، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن ذهاب قوات "سوريا الديمقراطية" نحو المناطق التي تقع شرق الفرات، أي منبج، كان يعتبر من الخطوط التركية الحمراء، إلا أنها تجاوزتها بغطاء أميركي واضح، ترجم بالزيارة التي قام بها قائد القيادة الأميركية في الشرق الأوسط ​جوزيف فوتيل​ إلى سوريا في الشهر الماضي، أي قبل الإعلان عن بدء معركة تحرير ريف الرقة الشمالي.

وتلفت هذه المصادر إلى الإعداد لهذه المعركة كان عبر الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري لمدينة منبج وريفها، في شهر نيسان من العام الحالي، من قاعدة "سد تشرين"، الواقع ضمن مناطق سيطرة ​الأكراد​، الأمر الذي أثار حوله العديد من علامات الإستفهام، بسبب الحساسية المفرطة بين الفصائل العربية والكردية، وهو ما وجهت الإتهامات بسببه لهذا المجلس العسكري، الذي اعتبر أنه ليس إلا واجهة لقوات "سوريا الديمقراطية"، الراغبة في ربط مناطق الكانتون الفيدرالي، الذي تم الإعلان عنه قبل أشهر قليلة، في حين كان رد المسؤولين عنه بأن الهدف منه هو توحيد القوى العسكرية لأبناء منبج، في المعركة التي يخوضونها من أجل تحريرها من سيطرة "داعش".

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر أنه يمكن فهم ترك موضوع الإعلان عن الحملة الموسعة لهذا المجلس العسكري، بالرغم من أن الجميع يدرك أن "سوريا الديمقراطية" هي القوة الرئيسية في هذه المعركة، التي تشرف عليها القوات الأميركية التي تقاتل إلى جانبها، في حين تم التأكيد بأن إدارة المدينة ستكون من صلاحيات مجلسها المحلي، كما يجري التسويق بأن جميع الفصائل التي تشارك في عملية التحرير من أبنائها، وهي: "كتائب شمس الشمال"، "ثوار منبج"، "تجمع الوية الفرات"، "كتيبة تركمان منبج"، لكن ماذا عن مدينة الباب؟

بالنسبة إلى الأخيرة، توضح المصادر المطلعة أن التحضيرات التي حصلت لواقع منبج، في شهر نيسان الماضي، تجري اليوم من أجل الإنتقال إلى الباب في المرحلة المقبلة، حيث عقد وجهاء منطقة الباب وريفها، أول من أمس، إجتماعاً تأسيسياً بهدف الإعلان عن مجلس إدارتها في مدينة عفرين، الواقعة أيضاً تحت سيطرة القوات الكردية، وتم الإعلان بواسطة بعض وسائل الإعلام، التي تدور في فلك "سوريا الديمقراطية"، عن أن المشاركين في هذا الإجتماع هم: ممثلون عن مجلس إدارة مناطق الشهباء ومجلس الأعيان وشيوخ مناطق الشهباء، لجنة العلاقات الدبلوماسية لمناطق الشهباء، التحالف الوطني الديمقراطي السوري، وجهاء عشائر من أبناء المنطقة بمكوناتها (كرد، عرب، تركمان).

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما تقدم يقود إلى الإعتقاد بأن المعركة الحالية لن تتوقف عند تحرير منبج، بل ستنطلق بعد ذلك من أجل الوصول إلى الباب، تحت الغطاء العشائري الذي يمنع الإصطدام وإثارة الحساسيات، وبعد ذلك يمكن العودة إلى العنوان الأساسي، أي تحرير مدينة الرقة من "داعش"، إلا أنها تسأل عما إذا كان الموقف التركي سيبقى على حاله، خصوصاً إذا ما قرر الأكراد الذهاب صعوداً نحو حدودها، وعدم الإكتفاء بقطع إمدادات "داعش"، لا سيما أن المدن والبلدات الواقعة في هذه المنطقة هي جزء من الفيدرالية التي تم الإعلان عنها، على عكس الرقة التي لم يحسم مصيرها بعد؟

في الفترة السابقة، التي كان فيها التحضير بين "سوريا الديمقراطية" والولايات المتحدة قائماً من أجل الحملة الحالية، كان وزير الخارجية التركي مولود جاوويش أوغلو، يعلن عن إتفاق بين بلاده وواشنطن على نصب بطاريات صواريخ على الحدود مع سوريا، من أجل حماية الأمن التركي من تهديدات "داعش"، الأمر الذي فُسر بأنه مقدمة من أجل القيام بعملية عسكرية في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى إعزاز، كما أنه من المستبعد أن تذهب الإدارة الأميركية نحو إغضاب حليفتها إلى هذا الحد، ما يعزز نظرية حصول أنقرة على ضمانات بعد تقدم الأكراد إنطلاقاً من منبج والباب نحو حدودها، لا سيما بعد أن أعلنت أن لديها خطة عسكرية سرية في جرابلس.

في المحصلة، ستكون الفترة المقبلة كفيلة بشرح تفاصيل السقف الذي تجري فيه المعارك في الشمال السوري، لناحية حدود مسرح عمليات الأكراد، ومدى إمكانية خروج تركيا عن صمتها في حال تقدمها نحو الحدود الممتدة من جرابلس إلى أعزاز، أي كامل الرقعة الجغرافية التي يطلقون عليها اسم "مناطق الشهباء".