كان يمكن لإعلان وزير الاتصالات بطرس حرب أنه "لن يغطي على أحد" في ملف "الإنترنت غير الشرعي"، ثم طلبه "الاستعجال في بت كل جوانب القضية"، وقوله "إذا كان هناك من مذنبين فليدخلوا السجن"، أن يكون ذا قيمة إيجابية في تحديد مصير هذا الملف الخطير، لكن طريقة تعامله مع المشتبه به الأول في هذا الملف، رئيس مؤسسة "أوجيرو" عبد المنعم يوسف، وتالياً تجديده عقود المؤسسة التي تمثل "إمبراطورية" عبد المنعم، تضعه في الموقع السلبي من هذا الملف، وموضع اتهام لم يتوانَ البعض، خصوصاً آل المر أصحاب محطة (أم. تي. في.)، عن توجيهه إليه.
كذلك، لم يكن النائب وليد جنبلاط الوحيد الذي تحدث صراحة عن وجود "قوى ما فوق قضائية" تحمي يوسف، وتمنع ملاحقته قضائياً، وهو الذي افتعل وزير الاتصالات حجة لتأخير الموافقة على استدعائه من قبَل القضاء، ليوافق له، في ما بعد، على "سبب صحي" سافر بحجته للسياحة في الخارج، ليعود بعدها وكأن لا قضاء يريد استجوابه، ولا أي اتهامات توجَّه إليه، على الرغم من أن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أكد أن في هذا الملف "مافيا منظَّمة حظيت بتغطية كبيرة وتواطؤ من قبَل مسؤولين رسميين نهبت أكثر من 500 مليون دولار من جيب وخزينة الدولة اللبنانية"، مشيراً إلى وجود "أيدٍ خفية تريد تغطية ولفلفة الفضيحة".
في الواقع، رئيس «أوجيرو» يمكن محاسبته على الأقل بجُرم هدر المال العام، والإخلال بالوظيفة، لأنه وضع «غوغل كاش» عند توفيق حيسو، المسجون حالياً، والذي تقول تصريحات المتابعين إنه شريكه، قبل شهرين من موافقة الوزير، هذا إذا لم يلاحَق بملف "الإنترنت غير الشرعي" الذي يتضمن هدراً مزمناً للمال العام، مرفقاً بشبهات تتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل"، من خلال الحصول على معدات "إسرائيلية" الصنع، وهو ما أكده تقرير مخابرات الجيش، وتم التأكيد عليه في إحدى جلسات لجنة الاتصالات النيابية، حيث أوضح ممثل قيادة الجيش أن المعدات التي أُدخلت عن طريق مخلّص جمركي معروف، مستوردة عبر شركة وسيطة أميركية، وهي معدات تصنعها شركة صينية لصالح شركة «سيراغون» الإسرائيلية، والأخطر أن هذه المعدات، التي دخلت إلى لبنان بوصفها مكونات «كومبريسورات»، أُزيلت عنها علاماتها التجارية من خارجها، وتبيّن عند فتحها أن شعار «سيراغون» ما يزال مختوماً على مكوّناتها الداخلية.
أكثر من ذلك، تؤكد أوساط متابعة، أنه لا مجال للشك في أن هيئة "أوجيرو" كانت على علم بفضائح "الإنترنت" والاتصالات التي اكتُشفت، والتي استمرت بأشكال مختلفة، منها على سبيل المثال، إيقاف شركات عن العمل، رغم عدم تورّطها بملف "الإنترنت غير الشرعي"، مقابل تركها الشركات المتورطة تعمل، لا بل زيادة حجم أعمالها من خلال انتقال المشتركين إليها.
كما أن كل تفاصيل هذه الفضائح لا يمكن أن تكون بعيدة عن علم وزير الاتصالات، لأن موظفي الدوائر والمصالح التابعة للوزارة المعنيين بهذا الشان تقنياً، يعلمون بكل تفاصيل هذا الملف، ومن لم يضع ما لديه من معلومات بتصرُّف الوزير، بالإمكان الطلب منه إبرازها أمام من يهمّه الأمر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلاثمئة ألف طلب خط هاتفي تقدّم بها اللبنانيون لم تتم تلبيتها من قبل "أوجيرو"؛ خدمة لأصحاب شركات الاتصالات غير الشرعية.
هذه التغطية على الفضائح، حدثت أيضاً مع مديرية قوى الامن، التي قررت من عندها رفض السماح بالتحقيق مع ضباط يمكن أن يساعدوا القضاء في ما لديهم من معلومات، في هذا الملف الذي يتم فيه استقطاع الوقت، عبر القول للبنانيين إنه ستتم ملاحقة كل المرتكبين، في حين أن أسماء كبيرة لم يتم مجرد الاستماع إليها من قبَل القضاء، وجرت الإشارة إليها في أكثر من مناسبة، أحدها صهر وزير سيادي، وآخر ابن شخصية عسكرية كبيرة، في وقت لم ينفِ جنبلاط عندما قيل أمامه في مقابلة متلفزة إن من يحمي عبد المنعم يوسف هو الرئيس فؤاد السنيورة، الذي ما يزال يمتنع عن تقديم كشوفات بأحد عشر مليار دولار صرَفها خلال وجوده في رئاسة الحكومة.
كذلك، لم يعد يجري الحديث عن فضيحة "طمر اللبنانيين" بالنفايات حوالى سنة، لإجبارهم على السكوت على التجديد لشركتي "سوكلين" و"سوكومي"، وهو الملف الذي يتضمن سرقة عدة مليارات من الدولارات من جيوب اللبنانيين.
والأمر نفسه يتكرر في فضيحة الاختلاسات المكتشَفة في مديرية قوى الأمن الداخلي، حيث لم يُشَر أبداً إلى مبالغ تم استردادها من مختلسيها، ويغيب أي كلام عن فضائح الكهرباء وغيرها، ما جعل لبنان "الدولة الأكثر فساداً" في المنطقة، حسب تقرير "منظمة الشفافية الدولية"، وهذا تظهير لواقع يعاني منه اللبنانيون الذين يشترون مياه الخدمة والشفة، في حين تفيض الشوارع بمياه الأمطار؛ في تأكيد أن الفاسدين في لبنان ما يزالون هم أصحاب اليد العليا.