كعادتها، تنعقد القمة العربية كل عام في اطار الحفاظ على البروتوكول والعادات والتقاليد، فهي تكتفي بالصورة التي يزداد فيها غياب القادة العرب سنة بعد سنة، وتختصر ايامها حتى حدود الساعات، وتصرف فيها الاموال من اجل مقام القادة، ويبقى الثابت الوحيد غياب أيّ قرار مهم وعدم اهتمام اي أحد بما يصدر عنها لأنّ البيان الختامي لا يقدّم ولا يؤخّر.

هذا العام، حتى البروتوكول والتقليد لم يحترم، اذ قرر العديد من رؤساء الوفود عدم المبيت في موريتانيا (مقر انعقاد القمة في دورتها الحالية)، واختاروا المغرب كبلد بديل لتضمية ليلة هنيئة واحلام سعيدة. لذلك، سرق المغرب الاهتمام الاعلامي العربي، وهو الوحيد الباقي من رهجة وهيبة القمّة، وتحوّل الى مكان استضافة القمة العربية غير الرسمية للقادة العرب.

هذا في الشكل، اما في المضمون، فيبقى السؤال عما ستخرج به القمة حول مواضيع عدّة اهمها الإرهاب ومشكلة النازحين والوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ناهيك عن زيادة الهوّة بين دول عربية. لكن لهذا السؤال جواب وحيد وهو: بلاغة في القواعد وانتقاء الكلمات العربيّة الرنّانة والمحبّبة للسمع. فالعرب ولو توحّدوا، لا يمكنهم البتّ بأيّ من هذه المواضيع، ولا تغيير ولو بحرفٍ واحدٍ في السيناريو الدولي الموضوع، لذلك من المؤكّد ان جميع المحلّلين والصحافيين سيتحوّلون في غضون يوم واحد الى قارئين للمستقبل (بالصيغة المجازيّة طبعاً) وسيصدّقون حتماً حين يقولون ان الوضع ما قبل القمّة العربيّة سيكون نسخة طبق الأصل عنه ما بعدها.

وفي عودة الى المغرب، واذا ما تمّت اللقاءات "الصدفة" بين القادة المتواجدين هناك، فسيكون الامر أهمّ بكثير مما تشهده موريتانيا، مع التشديد على ان الاهمية متعلّقة فقط بالناحية الإعلاميّة. اما في ما خصّ لبنان، فقد أعطى رئيس الحكومة تمام سلام ملخّصاً صغيراً عما سيكون دوره هناك، إذ كرّر ما يقوله الجميع رسمياً من ان حزب الله هو مكوّن رئيسي في لبنان وعضو في الحكومة، أي بمعنى آخر، لا مجال لأحد بتغيير هذا التحديد والتصنيف الرسمي ولن يوصم بالإرهاب من قبل القادة العرب.

وستطرح المشاكل كلّها ايضاً على لقاءات القادة "على هامش مبيتهم في المغرب"، ولكن لن يتغيّر شيء فيها، فالنازحون ومن يستضيفهم من الدول سيبقون في انتظار الإشارة السحرية التي ستعلن انتهاء أزمتهم وفرض الحل السياسي في سوريا، فيما الملايين الموعودة ستزداد دون ان يصل منها الا اليسير اليسير.

وسيبقى الارهاب جاثماً على صدور كل الدول العربية وغير العربية، وسيضمحلّ وينقرض عبر الكلمات الهجوميّة التي سيستعملها القادة عند الحديث عنه، دون القدرة على تجسيد أيّ منها على أرض الواقع او الحيلولة دون تغذية البعض منهم لهذا الإرهاب من أجل مصالح خاصة تبقيهم احياء سياسياً حتى موعد آخر.

لذلك، اذا أراد أحد ان يعرف ماذا في موريتانيا، فسيكون من السذاجة أنْ يتوجّه الى نواكشوط، لأنّ عليه التوجه الى المغرب ويعرف ماذا هناك. اما إذا اراد ان يعرف ماذا ينتظر المنطقة عموماً والدول العربيّة بشكلٍ خاص، فعليه التوجّه الى عواصم الدول الكبرى، وتحديداً الى واشنطن وموسكو ولن يضير ان يعرّج الى طهران وباريس وبرلين ليحصل عندها على الخبر اليقين، وترتسم صورة اولية كافية وواضحة المعالم عمّا سيكون عليه الحال في الشرق الاوسط.

ترى، متى سيفيق العرب وقادتهم من السبات العميق، ويوفروا بعض المال عبر الغاء هذه القمة التي باتت اشبه بطائرة ورقية تحت رحمة الريّاح؟ أليس من الأشرف انقاذ ماء الوجه والإعلان عن تعليق العمل في القمم العربيّة، كمرحلة أولى على الأقلّ، نظراً للاوضاع الراهنة التي تمر فيها المنطقة؟

وليسأل كل واحد نفسه على أيّ مستوى كان: ماذا سيتغيّر لو لم تنعقد القمة العربيّة؟