لا يفوّت لبنان مناسبة انعقاد الجميعة العامة للامم المتحدة في نيويورك كل عام من أجل المشاركة فيها، ويؤكد المسؤولون فيه (خصوصاً رئيس الوفد والاعضاء) أن حضوره بالغ الاهمية بسبب اللقاءات التي يعقدها رئيس الوفد (غالباً ما يكون رئيس الجمهورية، وقد حل مكانه في الفترة الاخيرة رئيس الحكومة بسبب الفراغ الرئاسي) مع باقي رؤساء الوفود، وعرض المشاكل التي يعاني منها البلد وسبل حلّها.

في الحقيقة، لا تمتّ هذه الذريعة بصلة الى الواقع، والدليل أن لبنان الذي شارك مرات ومرات في الجلسات العادية والاستثنائية وغيرها في نيويورك، لم يغيّر مرة معادلة او قراراً كان مكتوباً ومتفقاً عليه، حتى حين تولى رئاسة مجلس الأمن (خلال عهد الرئيس السابق ميشال سليمان الذي لبّى "نداء الواجب" في نيويورك مرة تلو الاخرى تلو الاخرى) لم تكن الامور سوى شكلية، للأسف. مع الاشارة الى ان دور ​الامم المتحدة​ نفسه اصبح منذ سنوات، موضع تشكيك حول قدرتها وتأثيرها على التغيير.

وبسبب الضعف العربي في الصورة الدولية، لم يكن لبنان ليشذّ عن هذه القاعدة، وهو لا يزال كما الدول العربية كافة، ضعيفاً على صعيد القرارات إنْ في منطقة الشرق الاوسط او خارجها، هذا من الناحية السياسية. اما من الناحية الميدانية، فالأمور مغايرة تماماً، وقد اكتشف العالم أنه من الاسهل إبقاء لبنان ضعيفاً على الساحة السياسية من محاولة فرض امور عليه جغرافياً وفي الميدان، ومن الافضل ان تبقى النزاعات بين ابنائه قائمة من ان يتوحّدوا حول هدف واحد.

اي لبنان فعلاً كان في نيويورك هذا العام؟ فقد التقى رئيس الحكومة ​تمام سلام​ في حضور وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الكثير من القادة والزعماء، ولكن ما الذي تغيّر بين الامس واليوم؟ فمعظم هؤلاء القادة اتوا الى لبنان او التقوا سلام وباسيل في مؤتمرات، ولم تتبدّل الصورة عما كانت عليه سوى في أنّ لبنان الرسمي بات مشتتاً اكثر من قبل.

ماذا كان الموقف اللبناني من مسألة النازحين السوريين، ومن التطورات على الساحة السوريّة، ومن ملفّ رئاسة الجمهورية؟ هل سمع المسؤولون الغربيون موقفين لبنانيين رسميين من هذه المواضيع؟ من الطبيعي الا تكون المواقف متطابقة بين سلام وباسيل في هذا المجال، فكيف تم التوفيق بالخروج بموقف واحد لمقابلة المسؤولين في الدول الأخرى، وبالأخص دول اصحاب القرار؟ هل نسي القادة المشاكل التي يعاني منها لبنان على أكثر من صعيد والتي تضمّها ملفّاتهم المحضّرة لهم من قبل معاونيهم كل يوم على مكاتبهم؟ الى أيّ لبنان توجّه الزعماء والقادة بالكلام؟ وأيّ موقف أبلغوه في ظل انعدام الرؤية المحلية لادارة الشؤون اللبنانية الداخلية؟

ومع انتهاء الجمعيّة العامة، ما الّذي سيحمله الوفد اللبناني من نيويورك سوى الوعود والكلام المنمّق عن مساعدات ونيّة في المساهمة لحل المشاكل اللبنانية النابعة من الداخل والتي فرضت من الخارج؟ أليس هذا ما نسمّيه منذ اعوام واثبت انه مجرد كلام وحبر على ورق؟ هل وصلت إلينا المساعدات الماليّة الموعودة للمساهمة في تخفيف عبء النازحين؟ هل تلقّى لبنان ضمانات لا تراجع عنها بشأن عدم توطينهم؟ هل عرف ماذا سيكون الدور اللبناني في المنطقة بعد التسوية الشاملة المنتظرة؟ هل سيتمّ حلّ باقي العقد المتعلقة برئاسة الجمهورية وترسيم الحدود النفطيّة؟ لن يكون الجواب مختلفاً عما يعرفه الجميع في لبنان.

ليس المطلوب طبعاً غياب لبنان عن المسرح الدولي، ولكن المطلوب اليوم اكثر من اي وقت مضى، بعض التواضع والصراحة من قبل المسؤولين اللبنانيين، وعدم تصوير حضورهم في الأمم المتحدة على أنّه العنصر الذي حوّل مسار الامور في ما خصّ الاوضاع في هذا البلد ومحيطه.

ان بقاء لبنان على الخارطة الدولية وفي المقرّات الرسمية الخارجية واجب ومطلوب، ولكن على الأقل يجب ان يكون هذا الحضور مراعياً لأبسط القواعد والمعايير الوفاقية الموحدة التي تواكب أيّ قرار يتّخذه أيّ بلد في العالم، لكي تأخذنا الدول على محمل الجدّ وتصغي عندها الى ما نطالب به، وإلاّ كان هذا الحضور كما هو اليوم، تعبئة مقعد لأخذ الصور التذكارية والاحتفاظ بها في المناسبات.