يرى دبلوماسي عربي سابق أن الأمور صارت واضحة في سورية، ولم تعد بحاجة إلى وثائق تاريخية ولا قرائن عملية لإثبات التورط الأميركي والصهيوني والخليجي في الحرب العالمية على هذا البلد، والتي تهدف إلى إضعافها إذا لم يكن تفكيكها أو جعلها اتحادات كونفدرالية برأس مركزي ضعيف، تعصف فيها الانقسامات والحروب المستمرة، ما يسهّل وضع اليد على كامل المنطقة وامتداداتها، وصولاً إلى ما هو أبعد، وتحديداً إلى الاتحاد الروسي، وهو مافهمته موسكو، التي دخلت مع مرور السنة الرابعة من الحرب الإرهابية على الدولة الوطنية السورية بقوة، فكانت البداية مع عاصفة "السوخوي" في نهاية شهر تموز الماضي، ما سمح للجيش العربي السوري وحلفائه بتحقيق انتصارات نوعية في كثير من الجبهات، وهو ما فرض على الأميركي أن يجلس مع الروسي ليرسم إطار التفاهم الممكن، فكان اتفاق لافروف - كيري، الذي وقبل أن تنشف حروفه سعت واشنطن للتنصُّل منه وخرقه، في سعي محموم منها لتعديل شروطه وإدخال بنود تمسّ السيادة الوطنية السورية، وهو ما فرض على موسكو ودمشق رفض المحاولات الأميركية بشكل قاطع.

ووفقاً للمعلومات، فإن هذا الاتفاق جاء بعد اجتماعات عديدة وطويلة بين خبراء روس وأميركيين، ناقشوا خلالها بالتفاصيل كل الوقائع الميدانية والسياسية واللوجستية، وبالوقائع والوثائق حول المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تُرجمت أسماؤها والمعلومات عنها من العربية إلى الروسية والإنكليزية، حيث تبين أن هناك نحو 365 منظمة مسلّحة، لكن الخلاف تعدد وتشعّب حول من هي المنظمة الإرهابية، فإذا كان الروسي والأميركيون اتفقا بسهولة على أن "داعش" هي منظمة إرهابية، فإن جدالاً ونقاشاً طويلاً حصل حول "جبهة النصرة"، التي اعتبرها الخبراء الأميركيون من فئة المنظمات "المعتدلة"، وهو الأمر الذي لم يقبل به الروس، وبعد نقاش طويل أبرزت خلاله موسكو وثائق أميركية حول تصنيف واشنطن لـ"النصرة" أنها إرهابية وأنها فرع لـ"القاعدة".. وافق الأميركيون على ضم "النصرة" إلى المنظمات الإرهابية، لكنهم اعتبروا معظم المنظمات المسلحة الأخرى منظمات "معتدلة" وأنها تعددية و"ديمقراطية" حسب المفهوم الأميركي، الأمر الذي لم يتمّ التسليم به.

المهم وفقاً لهذا الدبلوماسي، أنه بعد لقاءات متعددة ونقاشات واسعة اتفق الخبراء على الحد الأدنى الذي يُفضي إلى فتح الباب للبدء بتخفيف حدة القتال والدمار، تمهيداً لإيقاف الحرب وإحلال السلام..

ويلفت هذا الدبلوماسي إلى أن موسكو كانت تضع حلفاءها في أجواء المفاوضات الجارية، خصوصاً السوري والإيراني والمقاومة، حيث كانت النتيجة أن تمّت الموافقة على الشروط الأميركية إلا ثلاثة منها:

1- وكان تشديد على تصنيف المنظمات الإرهابية، وتسميتها وتحديد مواقعها وتسميتها، وتحديد المنظمات المسلحة "المعتدلة".

2- مشاركة النظام، وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد، في كل التفاصيل سواء في المرحلة الانتقالية أو في مرحلة الحل النهائي.

3- الإقرار بوحدة الأراضي السورية بلا لبس ولا إبهام.

بأي حال، فموقف موسكو ودمشق وحلفائهما فضح الأكاذيب والألاعيب الأميركية التي عبّر عنها في مجلس الأمن بالاعتراف الأميركي بتعذُّر الفكّ بين "جبهة النصرة" والفصائل العميلة الأخرى التي صنّفتها واشنطن في لوائح الاعتدال المزعوم، وبالتالي ثمة اعتراف أميركي باحتضان عصابات الإرهاب، وبخدعة الاعتدال التي اخترعتها لتغطية عدوانها وحربها ضد دولة مستقلة.

فضحت روسيا وسورية معاً أكاذيب التباكي على المعاناة الإنسانية من خلال السير في ترتيبات ممر الكاستيلو من اللحظة الأولى لوقف العمليات القتالية؛ عندما كشفت عن محاولة عصابات الإرهاب اقتناص لحظة انكفاء الجيش العربي السوري لتنتشر مجدداً، وهو ما كان التحوّط الروسي السوري له بتضمين الاتفاق تولّي المراقبين الروس للممر، ما أتاح للجيش العربي السوري العودة إلى مواقعه السابقة بعد فضح اللعبة الأميركية.

وكشفت التطورات حقيقة دور الموفد الدولي ستيفان ديميستورا الذي يعمل بأوامر أميركية وأكدت أنه يتحرك مع هيئة التفاوض السعودية، ومنحاز لمواقفها، وهو يعطّل أي حوار سوري - سوري، ويُبدي انحيازاً فاضحاً للمسلحين.

أمام هذه الوقائع كانت التطورات الميدانية السورية الجديدة التي أدت إلى تدخل روسي وإيراني مباشر في معارك حلب، حيث تحققت وتتحقق إنجازات عسكرية هامة على المجموعات الإرهابية المسلحة، جعلت التفاوض الروسي - الأميركي معلقاً حتى إشعار آخر، وبالتالي فإن الميدان وتجميع أوراق القوة هو سمة المرحلة الحالية والمقبلة.

ويتوقع المتابعون للتطورات الميدانية أن يلجأ الإرهابيون وداعموهم ورعاتهم خلال الأيام القليلة المقبلة، أمام حجم الانتصارات الحلبية، لنقل المعارك إلى محافظة حماه وريفها، حيث يُحتمل أن تشهد معارك ضارية في محاولة من الإرهابيين للتعويض المعنوي عن الخسارة الكبرى في حلب، لكن يبدو أن الجيش السوري وحلفاءه يستعدون أيضاً لهذه المرحلة، حيث تمّ توجيه العديد من الضربات الاستباقية إلى المسلحين في عدد من المناطق الحموية.