حسناً فعل الرئيس ميشال عون بأن خصص أول استقبالاته لوزير الخارجية ال​إيران​ي ​محمد جواد ظريف​ والمبعوث الرئاسي السوري منصور عزام.

هذا ليس عبثاً. إنه تعبير واضح عن صلابة خياره السياسي الشخصي حيال محور، عصفت ضده كل رياح الأطلسي والخليج وتركيا واسرائيل وغيرها في السنوات القليلة الماضية. إنه ردّ جميل لمن بقي وفياً إلى جانبه حتى وصل إلى بعبدا .

ليس في المسألة بروتوكولات ظرفية، إنما فيها عنوان لأولى ثمرات انتصار محور على آخر.

لا بأس بعد هذه اللحظة الرئاسية أن يذهب عون إلى السعودية في أولى زياراته إلى الخارج، ذلك أن مصلحة لبنان ربما تتطلب في المرحلة المقبلة الإنفتاح على الجميع وجمع المتناقضات.

في هذه اللحظة الرئاسية أيضاً، تمّ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة الأميركيّة. كل المؤشرات الأولى تؤكّد بأن سيد البيت الأبيض ذاهب على الأقل حتى الآن، في خيار انتصار الدولة السورية وحليفتيها ​روسيا​ وايران على الإرهاب.

لا بأس إن قال كلاماً معادياً لإيران بغية إرضاء اللوبي اليهودي الذي ناصبه العداء في الحملة الإنتخابية. لكن الأهم أن ترامب سيفعل أيضاً ما تفعله إيران و"حزب الله" و​الجيش السوري​ وروسيا من إجتثاث فعلي لجذور الإرهاب.

لعلّ السعودية التي لحقت بقطار التسوية اللبنانيّة في لحظة مفصلية والتي ترى بعد نحو عامين من حربها على اليمن أن الحوثيين وحليفهم الرئيس ​علي عبدالله صالح​ لم ينهاروا، وإنما هم يخترقون الأراضي السعودية الحدودية، لعلّها ترى الآن في ترامب سببا للقلق الكبير، وهي بالتالي لا تريد خسارة الساحة اللبنانية أو التخلي عنها كلياً لصالح المقاومة، لا سيّما أن شبه تخليها عن حلفائها اللبنانيين في وقت غير بعيد دقّ عندها جرس الإنذار في نتيجة الإنتخابات البلدية.

في هذا المشهد، عدنا نسمع أصواتا كتلك التي عبّر عنها الرئيس اللبناني السابق ​ميشال سليمان​ حول إعادة الهبة السعودية إلى ​الجيش اللبناني​، تماما كما نسمع رئيس اللقاء الديمقراطي ​وليد جنبلاط​ يتحدث عن ​مؤتمر باريس 4​.

إن دلّ كل هذا على شيء، فإنما يدل تماما على ما قاله رئيس حزب الكتائب النائب ​سامي الجميل​ من أن حزب الله انتصر.

نعم، يستطيع أي طرف أن يكابر أو أن يزيّن الخسارة ويحولها إلى ربح، أو أن يحاول لململة جمهوره بابتكار ربح في مكان ما والمطالبة بحقوق وزارية لإعادة التموضع في الساحة الداخلية، لكن الأكيد أن المنطقة تشهد الآن واحداً من أهم تحولاتها الكبرى. والأكيد أيضاً أن لسيّد النصر قدرة كبيرة لاستيعاب الجميع وحكمة أكبر للمصلحة الوطنية.

إننا لا شك في لحظة تاريخيّة تتكلم فيها الشعوب خارج منظومة القرارات المنزلة، خصوصًا تلك الحزبية. فالمجتمع الأميركي الذي أنتج ترامب رئيساً يعترف بهزيمة خيارات ساسته في الخارج و الداخل.

والمجتمع البريطاني الذي اقترع لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يعترف بهزيمة ادارة ساسته اقتصادياً وسياسياً.

والمجتمع اللبناني الذي فرح كثير منه بانتخاب العماد ميشال عون، يخبئ خلف الفرح، تيارات وشخصيات وأحزاب خسرت معركتها ضد محور المقاومة وجاءت الآن تلحق بالقطار وتسعى لتقاسم الجبنة، العَفِنَة أصلاً.

من مصلحتنا في لبنان ومن مصلحة العهد الجديد الواعد بالكثير من خلال شخص الرئيس عون، أن ينفتح على بعض الدول، لكن لا شك أنّ الذي صنع النصر وسهّل الإنتخاب والتسوية هو صمود سوريا وصمود وانتصار "حزب الله" وبراعة ايران في التفاوض من منطق القوة وصلابة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحدّيه جبروت الأطلسي وجنون أطراف إقليمية.

لذلك، أعتقد أن الخيار واضح... لا بدّ من تقوية تحالف الرئيس مع محور المقاومة ولا بأس إن استند إلى هذه القوّة الإستثنائية لينفتح على الآخرين. هنا يصبح الإنفتاح هو عفو القادر وليس ذل الخاسرين...