لا يكفي المُواطن اللبناني ما يُعاني منه من هدر للوقت ومن حرق للأعصاب بسبب زحمة السير على الطرقات، حتى يُضيف عدد من الخارجين على القانون مُعاناته بين الحين والآخر، عبر قطع بعض الطرقات وتضييق منافذ مرور طرقات أخرى، تحت حجج مطلبيّة مُختلفة، غالبًا ما تكون عبارة عن "شمّاعة" لإخفاء رسائل سياسيّة في غير إتجاه. والأمثلة على هذا الأمر كثيرة:

فإذا غضب مالكو الشاحنات من تحديد السُلطات الرسميّة لدوامات عملهم أو من طلبها منهم رخصًا قانونيّة لأعمالهم، يقومون بركن شاحناتهم الضخمة على خط سريع حيوي، مُعرقلين السير لساعات طويلة.

وإذا غضب مياومو وعمال شركة كهرباء لبنان من أيّ قرار إداري بشأنهم، يقومون بإقفال أبواب المراكز التابعة للشركة مُعطّلين مصالح الناس، وينزلون إلى الشارع ويُحاولون عرقلة حركة المرور أمام المواطنين.

وإذا غضب المُنتمون لإتحادات النقل البرّي من مناقصة في الشركة المُشغّلة، يعطّلون الأعمال في مراكز المُعاينة، ويقفلون العديد من نقاط المرور الحسّاسة والأساسيّة، مُضاعفين بذلك من معاناة المواطنين اليوميّة على الطرقات المزدحمة، خاصة في أوقات الذروة وعشيّة الأعياد.

والأمثلة في هذا الصدد عديدة ولا تنتهي، والأنكى أنّ هذه التحركات التي يُعاقب عليها القانون اللبناني نظريًا، تتمّ تحت ستار المطالب النقابية، وبحجّة حماية مصالح اللبنانيّين عُمومًا، لكنّها في أغلبيّة الأوقات لا تكون سوى صندوق بريد لبعث الرسائل السياسيّة، منها مثلاً من سياسي إقطاعي مناطقي يُحاول حماية مصالح "أزلامه" في منطقة ما، ومنها مثلاً من مرجعيّة سياسيّة وازنة تُحاول عبر أحد مسؤولي حزبها تأكيد قُدرتها على توتير الأجواء الداخلية في أيّ لحظة، ولوّ تحت عنوان مطالب شعبية ونقابيّة، إلخ.

وإذا كان صحيحًا، أنّ من حق أي نقابة عماليّة أو أيّ تجمّع لموظّفين الإعتراض على أيّ إجراءات إداريّة، فإنّ الأصحّ أنّ للتعبير عن الرأي أسس واضحة، وللتظاهرات معايير يُحدّدها القانون بوضوح. وبالتالي من غير المقبول عرقلة مصالح الناس، و​قطع الطرق​ات عليهم. فبأيّ حقّ يتمّ تأخير التلاميذ عن مدارسهم والطلاب عن جامعاتهم والموظّفين عن مراكز أعمالهم، إلخ؟ وبأيّ حق يتمّ التعدّي بالشتائم والتهديد وحتى بالضرب والإعتداء الجسدي على رافضي إجراءات قطع الطرقات كما حصل مثلاً على هامش تظاهرة إتحادات النقل البرّي السابقة؟ ومن قال إنّ المواطنين اللبنانيّين رافضين مثلاً لقرار منع كسّارة عن العمل هنا، أو عن طرد عمّال لا يعملون هناك، أو عن تغيير إدارة المُعاينة الميكانيكيّة وتحويلها من "مغارة علي البابا" لبعض المُنتفعين إلى شركة يلقى فيها المواطن مُعاملة حضاريّة وراقية؟

وحتى في حال وجود غبن ضُد أي شريحة عمالية أو ضد أي نقابة، هل مُعالجة الموضوع تكون في الإعتداء على حُقوق ومصالح باقي المواطنين؟ ومن قال إنّ المطالب محصورة بإتحادات النقل البرّي أو ببعض عمال شركة الكهرباء أو ببعض سائقي الشاحنات على سبيل المثال لا الحصر؟ وفي هذا السياق، هل يعلم قاطعو الطرقات أنّ عناصر وضبّاط الجيش اللبناني مغبونون منذ سنوات طويلة، ولم يتم حتى الساعة تصحيح رواتبهم المُتدنّية جدًا على الرغم من كل المخاطر التي يتعرّضون لها يوميًا؟ وهل يعلم الذين يقومون بأعمال خارجة على القانون من قطع للطرقات ومن تقييد لحريّة المواطنين في التنقل، أنّ الأساتذة مغبونون منذ سنوات طويلة ويُطالبون بإقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون أن يجدوا آذانًا صاغية؟ ولائحة الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص في لبنان والذين يعانون من الغبن واللاعدالة طويلة جدًا، لكنّ أحدًا من هؤلاء لا يقوم بأعمال شغب مُهينة على الطرقات.

في الختام، لا بُد من التوجّه إلى ​الدولة اللبنانية​ بمسؤوليها كافة، للتذكير أنّ من حق أي تلميذ أو طالب الوصول إلى مركز تعليمه في الوقت المُحدّد له، ومن حق أي عامل أو موظّف الوصول إلى مركز عمله ضُمن دوامات وظيفته أو عمله، ومن حقّ أيّ مريض الوصول إلى المُستشفى من دون تأخير يُعرّض صحّته وربما حياته للخطر، ومن حقّ أي مُسافر اللحاق بموعد سفره في المطار، واللائحة تطول. لذلك، التمنّي كبير بأن تعمد القوى الأمنيّة إلى فتح الطرقات بالقوّة في كل مرّة يتمّ فيها قطع أي طريق، وإلى إعتقال كل قاطعي الطرقات ومثيري الشغب و"زعران" الشوارع، بمجرّد تعرّض أيّا كان منهم، مهما كانت صفته وبغضّ النظر عن الجهة التي تقف خلفه، لحريات المواطنين ولحقّهم بالوصول إلى وجهاتهم من دون تأخير أو إهانة. فمن غير المقبول النيل من هيبة الدولة ومن دولة القانون، مع إنطلاق العهد الجديد الذي يأمل الكثيرون أن يكون عهد عودة الدولة القوية وصون حقوق المواطن قبل أيّ شيء آخر.