محاربة الفساد​ واستئصاله مهمة شاقة امام العهد، يقول وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ان "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" سيكونان أاوّل المتضررين من عدم تطبيق البند الرابع من التفاهم بينهما الذي يُعْنى ببناء دولة يريدها اللبنانيون، على اعتبار ما هو سائد اليوم هو غيابها.

ويبدو وبإجماع زعماء القوى السياسية الفاعلة، ان الركيزة الاولى لبناء الدولة هو قانون انتخابات عادل ينصف الجميع ويحقّق التمثيل الصحيح لكل المكوّنات السياسية اللبنانية.

ويضاف الى هذا الشرط لقيام الدولة، القضاء على الفساد في كل المؤسسات والذي بات وباعتراف الجميع عاهة على لبنان .

في هذا السياق، رأت مصادر سياسية ان مسألة إقرار قانون جديد للانتخابات، لم يرَ النور بالرغم من مضيّ عدة سنوات على النقاشات الدائرة بين الأحزاب والكتل النيابية، وظهور عدة مشاريع قوانين في المجلس النيابي، انطلق معظمها من واقع سياسي معين وهو مصالح الطوائف، ومن حسابات الربح والخسارة لكل فريق بعيدا عن فكرة إقرار قانون يمهد لبناء دولة حديثة.

أما في ملف الفساد ومحاربته واستئصاله، فلفتت المصادر الى ان تجربة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع هذا الواقع بعد عودته من المنفى كانت مريرة وصعبة، لانه كان شريكا في الحكم لما يعادل عشر سنوات الاّ انّه لم ينجح في تصحيح الخلل، ولم يتمكن من الانسجام مع الشواذات التي خبرها، ولم يتمكّن من البقاء بعيدا عمّا يجري من فساد ومخالفات لم تعد بحاجة الى دلائل ومستندات لتثبيت حصولها، والدليل على ذلك تقاذف المسؤولين عند منعطف كل خلاف سياسي واتهام بعضهم البعض بالصفقات المشبوهة .

ومن بين القوى التي تبادلت مثل هذه الاتهامات، منها من كان فاعلا وقَائِما قبل "الطائف"، وقوى كان لها حضورها بعده ومنها "التيار الوطني الحر" .

وتضيف المصادر، أن المعادلة اليوم قد تبدلت بوصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة حاملا راية استئصال الفساد من جذورها، وهو ملمّ بفعل تعاطيه الشأن العام منذ عودته من المنفى بكل خفايا وتفاصيل هذا الملف المعقّد الذي لم يتوقف عن استنزاف الدولة والمواطنين .

وتؤكّد المصادر، ان الرئيس اللبناني على علم بتفاصيل الداء، ولكنه بحاجة الى الدواء، وهذا الأمر يتطلب لمعالجته التعاون والتجاوب من القوى كافة.

وسألت المصادر الى أي حد سيتمكن العهد الجديد من الحدّ من هذه الظاهرة أو القضاء عليها كليا.

وتقول المصادر، ان القوى الاساسية التي أدارت الدولة منذ اتّفاق "الطائف" حتى الآن والتي كانت شريكة في إدارة الجمهوريّة معروفة، مشيرة الى أن تجاوبها مع أيّ خطوة سيتخذها العهد لمعالجة الإعوجاج امر ضروري وأساسي، خصوصًا وانه منفصل عن الاصطفافات السياسية سواء داخليا او في ما يتعلق بالاوضاع الخارجية.

وتعدّد المصادر القوى المطلوب منها التجاوب والتي أدارت شؤون البلاد ما بعد الطائف، وهي حركة "أمل" برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب "التقدّمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، وتيار "المستقبل" والى حد ما "التيار الوطني الحر" لا سيّما خلال العشر سنوات الماضية، أما بالنسبة لباقي القوى وبالتحديد "حزب الله" و"القوات اللبنانية" فلم يشر الى أيّ منهما أصابع الاستفادة ماديًّا من إدارة البلاد .

ولا ترى المصادر حلولا سحرية لهذه الظاهرة سوى وسيلتين، الاولى إصدار عفو عن الفترة السابقة مثل الذي صدر بحق ما عرف بالتجاوزات السياسية، اما الثانية فهي التعهّد من قبل الجميع بالشفافيّة، وبتفعيل إدارات المراقبة بدءًا من مجلس الخدمة المدنيّة، مرورا بالتفتيش المركزي، وصولا الى تطبيق محاربة الإثراء غير المشروع وقانون من أين لك هذا .

وأقرت المصادر ان مضي العهد بالتزاماته نحو محاربة الفساد سيخلق له مشاكل من قبل المرتكبين وهم قادرون على ذلك، ولكن المواطن اللبناني سيكون الداعم الاول لأيّ خطوة ذات فعالية لدحر هؤلاء .

وشدّدت المصادر ان من اهم الإجراءات التي تحمي اي خطوة باتجاه محاربة الفساد هي تعزيز الجسم القضائي، وتأمين استقلاليته ماديا ومعنويا، وجعله بعيدا عن نفوذ الحكّام والمسؤولين وتأمين حصانة لا لبْس فيها لهذا الجسم الذي يمكن ان يحمي خطوات العهد ورئيسه، وغير ذلك يبقى الكلام كلاما، وتستمر الدولة في حالة استنزاف الى ان تتوقف نبضات قلبها .