بدأت ساعة الاستحقاق الانتخابي تدق، وسيكون شهر شباط المقبل حاسماً لمعرفة توجه سير هذه الانتخابات، فإما ان تتم وفق ​قانون الستين​، واما ان تتم وفق قانون آخر من المرجح ان يكون المختلط.

الثابت اعلامياً هو ان الجميع يرغب في خوض الانتخابات، اما اللافت في هذا المجال، فهو تهديد البعض تلميحاً او مباشرة، باللجوء الى الشارع للانتفاض على أي قرار في الشأن الانتخابي لا يرونه مناسباً لهم.

في المفهوم العام، يعتبر تعبير "الجوء الى الشارع" مرادفاً للجوء الى الناس الذين يتظاهرون في الشارع للاعتراض على قرار او موقف يؤثر عليهم سلباً، ولكن في لبنان، يتغيّر هذا المفهوم، لانه يعبّر عن استعداد أناس للتظاهر دعماً لزعيم او مسؤول وتنديداً بعدم اعتماد ما ينادي به، ولو ان هذا الامر يصبّ في عكس المصلحة العامة.

ما يحيّر في دعوة البعض الى الشارع، هي انهم اولاً في موقع رسمي، او اقله في موقع المؤيّد للحكومة وليس معارضاً لها، وبالتالي، تصبح المسألة اكثر تعقيداً لان الغاية من الشارع هي دفع من يتولون اتخاذ القرارات، الى اعادة النظر بما يقومون به او ربما الرجوع عن قراراتهم. اما حين يدعو اصحاب القرار الشارع الى التظاهر، فتصبح القضية معقدة واهدافها مبهمة.

اما الامر الثاني الذي يدعو للحيرة، فهو المفهوم اللبناني، اذ من السهل في لبنان مشاهدة اكثر من شارع يتظاهر من اجل قضية معينة، انما في مواجهة بعض وليس بشكل موحد. وهذا ما ثبت بالفعل في قضايا اجتماعية وحياتية، بعيداً عن السياسة التي تفرّق ولا تجمع كما هو معروف، ولكن القضايا التي تلقي بثقلها على الجميع لم تنجح في توحيد الشوارع. ازاء هذا الواقع، نصبح امام معادلة جديدة هي الشارع في مواجهة الشارع، وحينها يختلط "الحابل بالنابل" ويفقد الناس البوصلة التي تقودهم الى الغاية المرجوة، وتعود الامور الى نقطة البداية بحيث تبقى القرارات المتخذة نافذة ومعمول بها.

وبغض النظر عن هذين الامرين، وفيما خص موضوع ​قانون الانتخاب​ تحديداً، من السخافة الاعتماد على مسؤول من هنا او هناك لدعوة الناس الى التظاهر حول مسألة تعنيهم مباشرة وهم اصحاب القرار فيها. هل يتخيل احد ما ستكون عليه ردة فعل أيّ مسؤول او زعيم اذا ما قرر الناس مقاطعة الانتخابات رفضاً لقانون لا يعتبرون انه يلبي تطلعاتهم ورغباتهم؟ قد يقول قائل ان المقاطعة الانتخابية التي جربها البعض سابقاً لم تأت بنتيجة، وهو محق تماماً. اما السبب في ذلك، فهو لان الشارع انقسم والمقاطعة لم تكن شاملة، بل اقتصرت على شريحة محددة من المواطنين، فتمّ تخطّي هذه العقبة البسيطة واكملت الانتخابات سيرها على الطريق التي رُسمت لها.

اليوم، يجد اللبنانيون انفسهم امام مفترق جديد، أمام قانون انتخابي لن يمثل في احسن الاحوال تطلعاتهم ورغبتهم في ايصال من يمثلهم بالفعل الى المجلس النيابي، ولكنهم سيقبلون في نهاية المطاف بما سيفرض عليهم، لان انقسامهم هو مصدر انتصار للمسؤولين. ولن تنطلي مسالة اللجوء الى الشارع التي يلوّح بها البعض، معارضة ام موالاة، على شريحة صغيرة من اللبنانيين لا ينتمون الى اي تيار او حزب، ولكنها ستفعل فعلها حتماً بالنسبة الى الغالبية التي وللاسف، ستمسك من جديد بمصير هذه الشريحة الصغيرة وتقرر عنها مصيرها ومصير البلد، لتعود بعدها الى التشكّي والنحيب بأن الاوضاع ليست كما تتمناها.

بدأ التمهيد لقانون الانتخاب، وهو سيكون اما الستين مع بعض العمليات التجميلية الطفيفة، او المختلط بين نسبي واكثري، وفي الحالتين سيبقى الزعماء مستفيدون من اقتراع المواطنين الذين سيؤمّنون لهم حضوراً وازناً في البرلمان، بينما سيغيب اللبنانيون عن المجلس النيابي فعلياً...