كما كان متوقعاً، بدأ الرئيس الاميركي الجديد دوناد ترامب خوض معارك بشكل مبكر جداً داخل الولايات المتحدة وخارجها. فما ان تسلم مقاليد الحكم بشكل رسمي، حتى واجهته التظاهرات في مختلف الولايات الرافضة لوصوله الى البيت الابيض، اضافة الى بعض المواقف السياسية الصادرة عن دول اوروبية ودول مجاورة التي اظهرت امتعاضاً من طريقة التعاطي الاميركي الجديد معها.

ولكن، وبغض النظر عن هذه المشاكل المهمة دون شك، تبقى "معركة" اساسية ستأخذ مداها ومن المتوقع ان تكون بمثابة "ام المعارك" بالنسبة الى ترامب، وهي المعركة مع الاعلام الاميركي. لم تعتد وسائل الاعلام الاميركية ان يتم التعاطي معها بهذه الحديّة، فقد وصل الامر بالمسؤول الاعلامي في البيت الابيض شون سبايسر الى حدّ القول انه ستتم محاسبة وسائل الإعلام التي عمدت، وفق قوله، الى اعطاء صورة غير حقيقية عن عدد الحضور خلال حفل تنصيب ترامب.

وتعتبر المعركة الاعلامية، خصوصاً في الولايات المتحدة، من اشرس المعارك التي يمكن لسياسي ان يخوضها، فالاعلام الاميركي يختلف تماماً عن الاعلام العربي، وصلاحياته لا حدود لها وقدرته على الوصول الى الجميع لا تحدّها حدود. ولكن رغم ذلك، يرى البعض ان الرئيس الاميركي قادر على الخروج فائزاً من هذه المعركة، مستنداً الى نتائج الحملة الانتخابية والدور السلبي الذي لعبته وسائل الاعلام الاميركية في وجه ترامب، حيث صبّت كلها تقريباً لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وروّجت عبر محللين وكتّاب الى ان اميركا ستشهد للمرة الاولى في تاريخها امرأة على رأس السلطة فيها. لكن فوز المرشح الجمهوري وضع الاعلام الاميركي في قفص الاتهام، واظهره وكأنه اخذ طرفاً في المعركة الرئاسية وخرج منها خاسراً، ليحقّق ترامب بذلك اول فوز صريح على الاعلام.

في المقابل، يرى محللون آخرون أن الرئيس الاميركي لا يمكنه الفوز في معركة ضد الاعلام، وألقوا بالملامة على الوسائل الاعلامية نفسها خلال الحملة الانتخابية التي سمحت لترامب الترويج لافكاره دون مواجهتها بالدلائل، فوصلت الى الناخبين بطريقة سلسة. واعتبر هؤلاء ان المقاربة الخاطئة التي اعتمدت في وجه ترامب خلال الحملة الانتخابية، أدّت الى وصوله الى الرئاسة، وعليه يجب اعتماد مقاربة جديدة لا بد وان تؤتي ثمارها نظراً الى السيطرة الواسعة التي يتمتع بها الاعلام الاميركي بشكل عام.

ويعتمد هؤلاء على وقائع عديدة أدّت الى خسارة سياسيين مناصبهم واضطرارهم الى الاستقالة بسبب ما تم فضحه عنهم في الوسائل المرئية والمكتوبة والمسموعة، وليس فقط في اميركا بل في مختلف دول العالم. واضافوا ان ترامب يشكّل مادة دسمة للتركيز على ملفاته (من اقوال او افعال او حتى علاقات شخصية ومالية وسياسية...)، ومن السهل بالتالي استهدافه على مدار السنة وتغذية الرأي العام بمواد ووثائق قادرة على احداث "انتفاضة" كافية للاساءة الى صورته الرئاسية.

وما يشجع اصحاب هذا المنحى، هو ان ترامب لا يتمتع بتأييد شامل على الصعد السياسية والشعبية والمالية، فالآراء منقسمة حوله داخل الحزب الجمهوري، فيما بدا واضحاً مدى الشرخ الكبير الموجود لدى القاعدة الشعبية الاميركية، اما في عالم الاموال فهناك تخوف من كبار رجال الاعمال حول امكان "انقلاب" ترامب عليهم اذا ما وجد نفسه محاصراً من الناحية الشعبية، فتكون التضحية المالية اقل الخسائر المرحلية بالنسبة اليه لكسب الشارع الاميركي.

صحيح ان الرئيس الاميركي الجديد خاض، ولا يزال، معارك كثيرة مع اطراف عديدة، لكن معركته مع الاعلام الاميركي والعالمي يمكن ان تكون الاقسى والاقوى التي سيجد نفسه فيها في موقع الدفاع الدائم، ولن يكفيه حتماً ان ينام على مجد المعركة التي ربحها مع وسائل الاعلام خلال حملته الانتخابية، لان الحرب مستمرة وقد تكون اكثر شراسة.