يمرّ لبنان حاليًا في عمليّة "شدّ حبال" قاسية بين مُختلف القوى السياسيّة بشأن قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، في ظلّ دعوات مُتضاربة بين تطبيق مبدأ النسبية الكاملة وفق أوسع دوائر مُمكنة والإحتفاظ بالقانون النافذ حاليًا مع بعض التعديلات، في ظلّ طرح العديد من الصيغ والتقسيمات ومشاريع القوانين. والتناقض لا ينحصر بطبيعة قانون الإنتخابات وبتقسيماته، وإنما يشمل حديث بعض المُتفائلين عن إقرار قانون جديد خلال الأسبوعين المُقبلين، في مُقابل حديث بعض المُتشائمين عن غياب الأمل بالتوافق على قانون جديد سريعًا، وعن إستبعاد إجراء الإنتخابات في أيّار المُقبل. فأين الحقيقة من كل ما سبق، وما هي آخر المعلومات في هذا الصدد؟

أوّلاً: التفاوض غير محصور بلجنة "الإنتخابات الرباعيّة" وباجتماعاتها العلنيّة، وهو يتمّ على أكثر من مُستوى، بدءًا بالقيادات العليا للقوى الرئيسة، مرورًا بعدد من النوّاب وكبار المسؤولين الحزبيّين مثل رئيس "التيار الوطني الحُر" جبران باسيل والنائب آلان عون، والنائب علي فياض، ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري وغيرهم، وُصولاً إلى فريق من الخبراء المُكلّفين البحث في تفاصيل تقسيمات الدوائر، وفي إحتمالات الأكثري والنسبي تبعًا لكل التقسيمات المُقترحة، وهم كلاً من علي خليل (عن "الحزب")، وحسين نصار (عن "الحركة")، وخالد شهاب (عن "المُستقبل")، ونسيب حاتم (عن "التيّار"). واللافت أنّ تقدّمًا جزئيًا حصل على مُستوى لجنة الخبراء على أكثر من صعيد، لكن جرى إبقاء هذا الأمر بعيدًا عن الإعلام، في إنتظار إكتمال صيغته، ومنعًا لإفشال الطروحات المُقترحة قبل بلورتها نهائيًا.

ثانيًا: الدراسات تشمل أكثر من خيار، بدءًا بالمشروع الذي كانت أقرته الحكومة التي كانت برئاسة ​نجيب ميقاتي​ في العام 2012 والذي يُقسم لبنان إلى 13 دائرة على أساس النسبيّة مع دراسة سُبل زيادة هذه الدوائر، مُرورًا بمشروع التأهيل على أساس دورة إنتخابيّة أولى وفق مبدأ الأكثريّة على مُستوى الأقضية ثم دورة إنتخابيّة ثانية وفق مبدأ النسبيّة على مُستوى المُحافظات أو غيرها من التقسيمات، وُصولاً إلى مشروع هجين يتمّ على أساسه إنتخاب نصف النوّاب بالتصويت الأكثري وإنتخاب نصفهم الثاني بالتصويت النسبي، وفق تقسيمات تعتمد معيارًا واحدًا ومُنصفًا بين مختلف المناطق. والتركيز حاليًا هو على مشروع "حكومة ميقاتي" الذي يحظى بإهتمام هو الأوسع والأكبر، والذي يُمكن أن يلقى قُبولاً واسعًا في حال رفع عدد دوائره وتعديل بعض تقسيماته.

ثالثًا: الطروحات المُتداولة لا تتمسّك بقانون مُحدّد، أو بفكرة معيّنة، بل هي مفتوحة على الدمج بين أكثر من إقتراح ومشروع قانون وأسلوب تصويت، وبين أكثر من تقسيم للدوائر ومن توزيع لأصوات الناخبين، وذلك بهدف الخروج بتركيبة جديدة، في ظلّ الحرص على عدم ترك ثغرات تسمح للمُعترضين بانتقاد غياب وحدة المعايير في أي قانون مُقترح، وفي تقسيماته. والأمور مَفتوحة على أكثر من خيار، مع إبتعاد تام عن مبدأ التصويت الأكثري التقليدي غير المُطعّم بالنسبيّة، مع تسجيل رغبة إضافيّة من قبل جهات سياسيّة عدّة بالتوجّه نحو مبدأ النسبيّة على الرغم من بعض الإعتراضات التي لا تزال قائمة من جهات أخرى.

رابعًا: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مُصرّ على رفض التوقيع على أيّ مرسوم لدعوة الهيئات الناخبة للإقتراع في شهر أيّار المُقبل، في حال عدم التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد، الأمر الذي سيُسبّب مُشكلة في حال الوصول إلى 21 شباط الحالي، من دون التوصّل إلى قانون حديث للإنتخابات، على الرغم من أنّ بعض الأوساط بدأت تسوّق بأنّ المهلة تنتهي في آذار وليس في شباط لأنّ ولاية المجلس المُمدّدة تنتهي في حزيران وليس في أيّار. وفي كل الأحوال، وبما أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يرفض مسألة الفراغ على مُستوى السُلطة التشريعيّة، لأنّها برأيه تزيد الأزمة تعقيدًا بدلاً من حلّها، إضافة إلى إعتباره أنّها تستهدف سُلطاته وموقعه في الدولة أيضًا، فإنّ الإتجاه هو لتمرير تمديد جديد سيكون الثالث من نوعه لولاية المجلس الحالي، لكن هذه المرّة تحت عنوان "التمديد التقني" لثلاثة أو أربعة أشهر فقط، وذلك لإعطاء المَعنيّين المزيد من الوقت للتوصّل إلى قانون إنتخابات جديد، من دون حُصول أيّ فراغ، على أن تحصل الإنتخابات المُقبلة عندها في نهاية موسم الصيف السياحي، أي في أيلول، بدلاً من أن تكون في بدايته، أي في أيّار.

خامسًا: مسألة فرض قانون إنتخابات وفق مبدأ النسبيّة الكاملة تُراود أكثر من طرف أساسي، وهي من بين الخيارات المطلوبة بشدّة من قبل "حزب الله" وغيره، والمَطروحة بقوّة من قبل "التيّار الوطني الحُرّ" في حال بقاء التعثّر سيّد الموقف على مُستوى مُفاوضات قانون الإنتخابات، وفي حال عدم إقتناع كل من "تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" بضرورة تقديم بعض التنازلات للتوصّل إلى تسوية إنتخابيّة وسطيّة تُرضي الجميع.

في الخلاصة، لا إنجاز لقانون جديد حتى هذه اللحظة، لكنّ الأمور غير مُقفلة تمامًا، ما قد يسمح بحدوث تطوّر نوعي في الأسابيع القليلة المُقبلة. وتجاوز المُهلة القانونية لدعوة الهيئات الناخبة لن يُمثّل نهاية العالم، حيث أنّ تمديدًا مَحدودًا زمنيًا سيُشكّل الحل الأنسب لمنع الفراغ في السُلطة التشريعيّة، على أن ترتفع عندها وتيرة المُفاوضات الرامية إلى التوصّل إلى قانون جديد، مع توقّع أن تنتهي بقانون جديد وفق مبدأ النسبيّة وبمن حضر، في حال إستمرار الإعتراضات الجزئية من بعض القوى.