لم يكد الكلام عن بعض "الانجازات" التي تنوي الدولة تحقيقها ك​الموازنة​ والقانون الجديد للانتخابات وسلسلة الرتب والرواتب والتعيينات الامنية وغيرها، او تلك التي ستعمل خلال السنوات المقبلة لتحقيقها كالخدمات الاجتماعية والانمائية والصحية وغيرها، حتى "انفجر" وبشكل مفاجىء بالون رئاسة الحكومة المقبلة وتحديد ما اذا كان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ سيعود الى السراي الكبير ام لا.

بداية، من المنطقي والمنصف والطبيعي القول ان هذا الموضوع سابق جداً لأوانه، لان المواضيع المطروحة حالياً على بساط البحث اهم بكثير من "الضرب في الغيب" والتلهي بأمر سيأخذ وقته ليتم التقرير فيه، كما ان الاسباب التي تؤدي الى البت بمثل هذا القرار غير ناضجة بعد، واهمها على الاطلاق الانتخابات النيابية التي لا تزال تصارع من اجل حياتها بانتظار صدور قانون جديد قد يدخل الى كتاب "غينيس" نظرا ً الى المدة التي يستغرقها للاتفاق عليه.

من الخطأ الاعتماد على عامل وحيد لحسم موضوع عودة الحريري الى رئاسة الحكومة ام لا، وهو الذي يركّز عليه البعض ويتجسد بسلاح حزب الله. فلو كان هذا العامل الوحيد لكانت الامور حسمت منذ وقت طويل، ولكن الامور مرتبطة بشؤون اخرى اكثر تشعباً. ولكن، على الرغم من ذلك، يعتبر الكثير من المتابعين للوضع اللبناني ان عودة الحريري الى السراي ليست بعيدة او مستحيلة كما يشاع وذلك لاسباب عديدة، يكتفي هؤلاء بذكر بعضها. اولها ان الحريري لا يزال ملتزماً التفاهمات والاتفاقات التي ادت الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة وترؤسه لها، وهو لم يعمد الى نسف اي منها، وحتى مسألة حزب الله، لا يزال تيار المستقبل على الموعد في الحوار الدائر منذ اشهر طويلة، ولم يعمد احد الى التجييش او التصعيد غير الكلامي.

اضافة الى ذلك، وبعد تجديد الصفحة بين الحريري والسعودية، عاد الاول الى الاحتضان السعودي ولو بشكل غير كامل، ولكن بنسبة افضل بكثير مما كان عليه قبل فترة غير طويلة، كما ان الاجواء الاقليمية لا تميل الى التصعيد والتوتير ولا حاجة بالتالي الى استبدال الحريري بشخص آخر قد يشكل استفزازاً او تحدياً او مشروع خلاف مع الآخرين.

وقد بذل الحريري جهداً كبيراً لاعادة ترتيب اوضاع البيت الداخلي في التيار المستقبلي، وهو ما تجلى بوضوح بكسوف نجم النائب فؤاد السنيورة بعد ان تلألأ، وكاد ان يطغى على نجم رئيس التيار في اكثر من مناسبة وزمان. وقد اثبتت الاشهر الاخيرة ان وجود الحريري في منصبه لم يؤثر سلباً على اي من الافرقاء، حتى حين "طارت" جلسة انعقاد الحكومة لم يعمد الى استهداف احد او الغمز من قناة اي تيار او حزب، وبالتالي فإن الجميع راض عن هذا الاداء حتى الساعة ولم تسجل اي تحفظات تذكر.

بالتالي، ووفقاً لكل ما سبق، لا تزال اثارة موضوع رئاسة الحكومة المقبلة سابقة لاوانها، ولكن في كل الاحوال، لا يمكن التقليل من النسبة العالية لعودة الحريري الى مكانه وبقاء التشكيلة الحكومية على حالها تقريباً من حيث النسب التمثيلية للاحزاب والتيارات ولو تغيّرت بعض الاسماء. ومع ذلك، لا حاجة لاستعادة قصة ابريق الزيت في زمان غير مناسب لها، ولا يمكن ركوب موجة التغيير في رئاسة الحكومة قبل جلاء الكثير من المواقف المحلية والاقليمية حول استحقاقات عديدة، لذلك من الانسب التفرغ الى امور ومشاكل تتطلب معالجات سريعة، مع الاخذ بالاعتبار ان اي قانون جديد للانتخابات لن يبصر النور ما لم يحظ برضى غالبية الافرقاء ومن بينهم بطبيعة الحال، تيار المستقبل، الذي يعتبر الانتخابات المقبلة مسألة وجود في وجه بعض من انشقّ عنه ومن يحاول ان يصنع حيثية له داخل التيار.