خروق يسجّلها عهد الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري، ورغم استغلال بعضهم سخط الشارع إزاء الضرائب لقطف مزيدٍ من الاستعطاف، إلا أن ذلك لم يهزّ الثوابت التي اتفق عليها الرئيسان الأول والثالث قبيل إعلان ولادة مرحلة جديدة من الحكم قائمة على استعادة الثقة ومحاربة الفساد.

سابقة...

ربما هي سابقة، لا بل هي سابقة بأن يجرؤ خمسة رؤساء سابقين (بينهم رؤساء جمهورية وحكومة) على تجاوز ثلاثة رؤساء موجودين في الحكم ليقدموا رسالة “التفافية” الى القمة العربية عنوانها العريض “إعلان بعبدا” والسلاح غير الشرعي. أغرب ما في الرسالة بغض النظر عن تفاصيل مضمونها أن بعض عرّابيها عاشروا الحزب جيدًا وكانوا شركاءه في الحكم، وإذا كان الرؤساء ميشال سليمان وأمين الجميل ونجيب ميقاتي لم يشكلوا صدمة، فإن المفارقة تكمن في انضمام الرئيس تمام سلام اليهم وهو الذي كان رئيسًا لآخر الحكومات والذي حاول التوفيق مرارًا وتكرارًا بين مكوّنات حكومة “المصلحة الوطنية” ولم يشكُ يومًا من أداء حزب الله بقدر ما أضناه التيار الوطني الحرّ، والأغرب من ذلك أن سلام نائبٌ محسوبٌ على تيار المستقبل ولا ينفكّ يبدي امتنانه للفرصة التي منحه إياها الرئيس سعد الحريري بتسميته رئيسًا للحكومة نال رضى حزب الله وحركة أمل على السواء، وبالتالي فإن تصرّفه ذاك يلقى استهجانًا لا بل نوعًا من الغرابة في أوساط مقرّبي الحريري نظرًا الى أن التفافًا مماثلًا على رئيس الجمهورية ودوره إنما هو التفافٌ غير مباشر على رئيس الحكومة. أما الرئيس فؤاد السنيورة فيبدو الأكثر تصالحًا مع ذاته منذ إعلان الحريري دعم خيار عون للرئاسة وكان مكرهًا يوم شُبِّه لبعضهم بأنه ابتلع أمام العدسات مشهدية خروج الحريري معلنًا دعمه ترشيح الجنرال، ومع ذلك يبقى الأقلّ تملقًا وتزلفًا والأكثر فاعليةً على مستوى القرار والثبات في الموقف.

الحريري: رجل دولة

لا تعير مصادر نيابية في قوى 8 آذار (سابقًا) أهمية جُلّى لمثل هذه الخطة، لا بل تتماهى مع موقف الوزير محمد فنيش بقوله إن هناك رئيسًا موجودًا اليوم أما الباقون فسابقون. واضحة رسالة فنيش تمامًا كرسالة المصادر التي تؤكد عبر “البلد” أن “العهد واعٍ شديد الوعي لأصوات النشاز المحيطة به، وجواب رئيس الحكومة الحالي خير دليل على هذا الوعي رغم تحفظاته الضمنية على بعض سلوكيات حزب الله في الخارج أكثر منه في الداخل، ولكنه مع ذلك أبدى موقف رجل دولة حريص على سمعة الرئاسة الأولى والمؤسسات، إذ من غير اللائق أن يصل رئيس البلاد الى قمة عربية تسبقه اليها رسالة مذيّلة بخمسة توقيعات من رؤساء سابقين فقدوا الأمل بعودتهم الى السلطة”. وتغمز المصادر من قناة “حركشة الرئيس ميشال سليمان نفسه الناقم على حزب الله والعاطل من العمل والذي لم يجد سبيلًا للبروز إلا عبر رسالةٍ مماثلة لا تقدّم ولا تؤخر”.

صفحة طواها الرئيس

قد يسقط المراهنون على إمكانية إثارة مثل هذه الرسالة بلبلة داخلية بعد عودة عون والحريري، خصوصًا أن هناك قرارًا مشتركًا بالتصرّف بشكل طبيعي على ما علمت “البلد” من دون إعارة الأمر أهمية إيمانًا من الرئيسين المتوائمين بأن بيت القصيد سيكون في كلمة الرئيس ميشال عون الذي حمل رسالة سلام مشفّرة وغير مصوّبة على أي شريك في الحكم. علمًا أن إحراجًا كبيرًا واجهه الرئيس في إمكانية التصويب على حزب الله المُدرَج إرهابيًا على اللوائح الخليجية السود، سواء جهارًا أم في الكواليس الضيقة، وهو ما استعدّ له عون جيدًا وحصّن نفسه به والحريري من أجل عدم الخوض في مجال التشهير بشريكٍ أساسي في الوطن والحكم وعدم فتح المجال أمام العرب ليأخذوا مجدهم في هذا المجال متسلّحين بورقةٍ طارئة. أما الوتر الحساس فهو ذاك الذي تعزف عليه الرسالة من خلال رفض أربابها خطاب السيد حسن نصرالله “العدائي” تجاه دول الخليج، علمًا أن هذه الصفحة طواها الرئيس عون نفسه بزيارته الأخيرة الى المملكة التي عاد منها منفرج الأسارير بعودة السياح الى الديار.

وقع ولم يسقط!

ربما هو مفعول تلك الرسالة المغرّدة خارج كلّ الأسراب. راق بعض الشماتين أن وقع رئيسُهم من على المنبر. فاتهم ما قاله أحد العونيين الحريصين: وقع الرئيس لكنه لم يسقط. فاتهم أن سعد الحريري موجود الى جانبه ليطمئن أحباءه أولًا الى أنه بخير وثانيًا الى أن الرسالة لم تفعل فعلها من أصداء منشودة في الدور العربية. هكذا إذًا، بقيت الرسالة يتيمة في عمّان، منسيّة وكأنها لم تكن احترامًا لمن يمثل لبنان بحضوره. بقيت يتيمة إلا من المنتقدين الساخرين من بعض من رسم لنفسه في عهده مجدًا قبل أن يجلس متحسرًا على زمنه أو في أحسن الأحوال على زمن شغورٍ كان ليُسمَع فيه صدى لرسالته لو لم يملأ الشغورَ رئيسٌ اسمُه: ميشال عون، اليه أصغى العرب وعلى كلامه وحده بنوا!