ليست المرة الاولى التي تتصاعد فيها حدة التوتر بين الولايات المتحدة الاميركية و​كوريا الشمالية​، على خلفية قيام الاخيرة بتجارب لصواريخ بالستيّة ونووية، والتبجح بقدرتها على استعمال ما تملك من اسلحة لضرب اعدائها (بمن فيهم واشنطن). ولكن هذه المرة أخذت الامور طابعاً مختلفاً، اذ انها المرة الاولى التي تتحرك فيها ​الصين​ بشكل جدّي فتعلن الاستنفار على طول الحدود مع جارتها الكوريّة من جهة، وتحرك القطع البحرية العسكرية، وترافق ذلك مع تحذير علني بأن لعبة "شد الحبال" بين واشنطن وبيونغ يانغ قد تصل الى نقطة "اللاعودة".

من المنطقي القول ان ما دفع بكين للقيام بهذه الخطوات، هو شعورها بتصاعد التوتر، في ظل وجود ادارة أميركية جديدة وعلى رأسها تحديداً الرئيس ​دونالد ترامب​، وفيما نجح الرئيس الصيني خلال زيارته الاخيرة الى اميركا في تغيير نظرة ترامب الى المارد الاسيوي، يبدو انه غير مطمئن لما يمكن ان تسفر عنه الخطوة المشتركة الاميركية-الكورية الجنوبية عبر نشر نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" الحراري على حدود البلد الاسيوي، والذي تزامن مع مناورات ضخمة اجريت بين البلدين في كوريا الجنوبية.

ولطالما عانت اميركا من مسألة الصواريخ مع الدب الابيض، ولا تزال مشكلة الصواريخ في كوبا (مع الاتحاد السوفياتي السابق)، ومشكلة "الدرع الصاروخي" في اوروبا حاضرة في الاذهان، حيث وصل التوتر الى ذروته مع موسكو على خلفية هذين الحادثين، لكن المشكلة في آسيا تأخذ طابعاً آخر.

تدرك واشنطن كما بكين، ان العلاقة بينهما دقيقة جداً، وان ترامب يأخذ المسالة الاقتصادية على محمل الجد ويفهم بلغة الارقام (كونه رجل اعمال)، اكثر مما يفهم في امور اخرى وبالتالي بعد ان عمدت بكين الى استيعابه اقتصادياً، تعمل على استيعابه سياسياً ودبلوماسياً عبر اعتماد سياسة "الترغيب والترهيب"، خصوصاً انها قادرة على اللعب على الوترين معاً. ووفق هذه السياسة، اعتمدت الترهيب عبر الحركة العسكرية التي قامت بها، وتحذيراتها من ان نشر الصواريخ الحرارية يهدّد امن الصين، ولكنها اعتمدت في الوقت نفسه الترغيب عبر الترحيب بـ"انفتاح اميركا على الحل السياسي للازمة الكورية الشمالية". والواقع ان الصين وجهت بذلك رسالة الى الدول الثلاث أي اميركا والكوريتّين بأن هناك خطوط حمراء موضوعة لا يجب على احد ان يحاول تعديلها او تخطّيها لان العواقب ستكون وخيمة وقد تصل الى حدود التصادم، مع كل ما يعنيه ذلك من تغييرات جغرافية وسياسية واقتصادية ليس فقط في القارة الاسيوية بل في العالم اجمع، وهو امر لا احد مستعد لتحمّل مسؤوليته.

وليست روسيا بعيدة عن هذه الاجواء، لكنها اختارت ان تترك الامور تحت الرعاية الصينية، لانها ليست بوارد اللعب في الحديقة الخلفية للصينيين، تماماً كما احترمت الصين عدم التدخل في المسألة الاوكرانية، انطلاقاً من تفاهم بين البلدين على اكثر من صعيد، نجح حتى الآن في اثبات جدارته، فكان الدعم المعنوي والسياسي والدبلوماسي هو السائد بينهما وخصوصاً في مجلس الامن.

ويمكن القول ان الصين اعادت التشديد على الخطوط الحمراء، وتلقف المعنيون رسالتها، ومن المتوقع الا يتأخروا في ايجاد السبل الكفيلة بتأمين مصالحهم مع مراعاة معادلة فائقة الدقة وهي: عدم ايقاظ التنّين النائم، لأن خلاف ذلك سيعقّد الامور وسيزيد من المشاكل في كل اصقاع العالم. ووفق ما تسير به الامور، لا شيء يدل على ان بوابة الحرب العالمية ستكون من آسيا.

فهل فعلت الرسالة الصينية فعلها؟ وهل يمكن لاميركا ان تغضب الصين وتهدّد استقرارها الاقتصادي؟ وان يحتمل النظام الكوري الشمالي هزّة كبيرة اذا ما تغاضى عن تنفيذ رغبة جارته العملاقة؟.