اعتبر رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ أن "العهد أدخل نفسه في دوامة ​قانون الانتخاب​، وكان مستعجلاً لإنجاز القانون التأهيلي. كما أدخل نفسه في سلسلة مشاريع، وتحديداً مشاريع الكهرباء، وهي كارثة مالية ونقدية إذا ما اعتمدت، لأننا تعهدنا إنفاق ملياري دولار على استئجار سفينتين من تركيا ومن الشركة نفسها التي أتت بالسفن الأخرى، في حين أننا قادرون على بناء مصنع أينما كان، ولا أناقش في مكانه، بمبلغ مليار وخمسمئة مليون دولار الذي يوازي عجز الكهرباء سنوياً، وينتج طاقة قدرها ألفي ميغاوات"، موضحا أن "هذه الأرقام حصلت عليها من متعهد كبير في شركة لبنانية كبيرة في السعودية، وهو قال لي إنه سلّم مصنعاً بهذه المواصفات وبهذه الكلفة. أما نحن فنستأجر بضاعة لا نملكها ولن نملكها، فقط لأن من خلفها أموراً مشبوهة كالسفن السابقة، إضافة إلى أنها تنتج تلويثاً كبيراً".

ورأى جنبلاط في حديث لصحيفة "الأخبار" أنه "حتى ​سلسلة الرتب والرواتب​ الضرورية، لم يستطع العهد أن يحدد من أين ستأتي مصادرها. آخذين في الاعتبار أنه أخذ على عاتقه شعار محاربة الفساد، لكنه لم يحارب أي فساد، ولن يستطيع محاربته، فيما هناك تخلّ بالكامل عن التفتيش المركزي وإدارة المناقصات، والحد الأدنى من احترام هيكلية الدولة. هناك تعاط مباشر وفوقي، وهذا الأمر لا يجدي نفعاً"، مؤكدا أنه "حين أقول العهد أشمل الرئيس والحكومة، ولا أفصل بينهما".

وردا على سؤال حول أين موقع جنبلاط في العهد؟ عادة توضع في الخط الوسطي أو قرب رئيس الحكومة؟، قال: "القصة ليست وسطية. اشتركنا في التصويت للرئيس ميشال عون. وكان لا بد من ذلك لانتخاب رئيس الجمهورية بعد فراغ لأكثر من عامين ونصف عام. تنقلت الأوضاع بين رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية والعماد عون، ثم رست على عون، فقلنا لننطلق، لكن الانطلاقة جاءت متعثرة"، مشيرا الى أن "القصة ليست علاقة شخصية، هناك أمور غير ماشية. هناك عهد وحكومة ونظام مش راكب، وضعوا عناوين وأغرقوا أنفسهم بها ولم يتراجعوا، لا في خطة الكهرباء ولا في سلسلة الرتب والرواتب التي لم يجدوا موارد لها، ولا أقفلوا مزاريب الهدر. السياسة ليست عناداً. دخلنا في نفق مظلم، أي القانون التأهيلي، فلنخرج منه".

ولفت جنبلاط الى أن رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​ "اختار طريقاً معيناً إذا صح التعبير، لم نعتده، فآثرت الانكفاء والاتصال بين حين وآخر عند الضرورة. لكن الطريق الذي اختاره في السياسة والتعاطي ليس الطريق المعهود. سوى أننا نشكره ونقدر حضوره في مناسبة مرور أربعين عاماً على اغتيال كمال جنبلاط. المواقف العاطفية مهمة، لكن، لنر ماذا سيحدث في المستقبل رغم أن التعاطي مع "المستقبل" مختلف"، وعن أن محيطين بالحريري يلعبون دوراً ضده لأسباب انتخابية شوفية قال: "هذه تفاصيل لا أتوقف عندها".

وعن علاقته برئيس مجلس النواب نبيه بري، أكد أن "بري حليفي، وكلفتني الكلمة عنه الكثير، وسأجدد هذه الكلمة وإن كره الكارهون. هو لا يزال حليفي، وحليفي الوحيد. لا أحد يريد أن يعترف بالآخر، ولا أن يتنازل، فيما نحن نريد الخروج من هذا المأزق".

وأشار الى أنه التقى عضو كتلة "القوات" النائب جورج عدوان للبحث في قانون الانتخاب "ولديه معطيات مهمة جديرة بالنقاش وتخرجنا من دوامة ملهاة التأهيلي، إذا أخذت هذه المعطيات في الاعتبار. نحن نستطيع أن نلعب دوراً، وعليه أن يلعب دوراً مع حلفائه. والدور المطلوب من النائب عدوان، في ظل التلاقي بين القوات والتيار الوطني الحر، محاولة إقناع التيار بأفكار جديدة"، مؤكدا أن "أولويتنا مع القوات هي الوحدة الوطنية في الجبل والتأكيد على المصالحة. وهذا ما سبق أن سمعته من الرئيس عون عندما زرته قبل أن يأتي الى سدة الرئاسة وحين زارني في منزلي. وهذا أمر غريب، لأن التأهيلي يضرب هذا التوجه".

وردا على سؤال حول أنه بعد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بدا أن ثمة اصطفافاً بينه وبين بري وحزب الله والقوات من جهة، والمستقبل والتيار الوطني من جهة أخرى، قال: "رغم التفاوت، هذا صحيح. لا نستطيع أن نبقى على هذا الاصطفاف، بل يجب الاجتماع على فكرة توحدنا"، مضيفا: "أعتقد في مشروعنا كانت هناك نسبية. نستطيع أن نقارب النسبية بمفهوم آخر، ولنعد الى مشروع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مع تعديل بعض الدوائر، وانطلاقاً من مصلحتنا المشتركة مع القوات والتيار، حسمنا دائرة الشوف وعاليه. لكن تبقى نقطة مجلس الشيوخ. فمجلس الشيوخ مرتبط، بحسب الطائف، بتشكيل أول مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، على أن يأتي بعده مجلس الشيوخ. إذا تجاوزنا الطائف أو قسماً منه، ودمجنا بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب على قاعدة النسبية، ونحافظ على المناصفة والتوازن الطائفي، لمَ لا. لكن مقاربة المستقبل والتيار الوطني أن تعطى رئاسة المجلس لغير الدروز. وهذا أمر مستغرب ومستهجن"، مؤكدا أن "الحريري لا يزال عند موقف إعطاءها لمسيحي".

وأوضح جنبلاط أنه "حين تحدث نصرالله، لم يتحدث عن الحزب التقدمي الاشتراكي بل عن مكوّن أساسي أي الدروز. هل نحن مكون أساسي أم لا؟ إذا اعتبر أي فريق أن الفريق الآخر أقلية، أقول له كلا، كل البلد أقليات، وفيه حالياً ست أقليات أساسية. وأنا ليس لديّ مانع بتوسيع اللجنة الوزارية، فعلى الأقل كسرنا الاحتكار الذي كان من أربعة أفرقاء الى ستة أفرقاء"، لافتا الى أن "التيار الوطني الحر لا يستهدف الدروز. كلام القوات متميز عن كلام التيار وهذا ما أكده لي عدوان. لكن ظهر أن هناك تناغماً سياسياً بين التيار الوطني والمستقبل وحلفاً سياسياً بينهما لا يستهدفنا، لكنه يضعنا خارجاً. لذلك كان لا بد من الحركة التصحيحية التي قمنا بها".

وأضاف جنبلاط: "وزير الخارجية جبران باسيل لم يقنعني. كل واحد منا قال وجهة نظره. كان هناك سوء تفاهم، وفضلنا أن تكون العلاقة مباشرة حتى لا يكون هناك تأويل للكلام"، مشددا على أنه "لا تمديد. مستحيل، هناك شيء واضح اسمه قانون الستين، وهو موجود. قد يحصل تمديد تقني، إذا اتفقنا قبل 15 أيار على صيغة مشروع نسبي لمجلس النواب مع مجلس شيوخ، على أن تُحسم قضية رئاسته، وحينها قد نتفق على تمديد تقني حتى أول تشرين الأول فقط".

واذا ما يتمسك بمجلس الشيوخ للدروز، قال: "اتفقنا على ذلك أيام الرئيس السوري الراحل ​حافظ الأسد​ عام 1989 عند صياغة الطائف ومع رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، علماً بأن مجلس الشيوخ هو منذ أيام الانتداب، وينطلق الحديث عنه من الورقة بيني وبين الشيخ محمد أبو شقرا والأمير مجيد أرسلان التي سُلمت الى الرئيس أمين الجميل عام 1983، وأنا أخذت عهداً آنذاك من الأصدقاء في الشام والحريري الذي كان ممثلاً للسعودية، إلا إذا أردوا اليوم عدم الاعتراف بذلك".

ورأى أنه "اذا لم نتفق على أي قانون نكون نلعب لعبة عبثية، لأننا ننسى التراكم الكمي للآثار السلبية على الاقتصاد اللبناني"، وحول ما اذا هناك قرار إقليمي ودولي بضرورة إجراء الانتخابات وفق أي قانون، قال: "لم أسمع بذلك. التقيت عدة سفراء ولم أسمع منهم ذلك".

واذا ستُفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، أكد أنه "لا فكرة لديّ، واتفقنا جميعا على عدم التصويت في مجلس الوزراء وعلى ضرورة التوافق، وبري والسيد حسن أكدا ذلك ورحّبا به. هذا موضوع ميثاقي، فليسمحوا لي".

وأعلن جنبلاط أنه "إذا حتّم الظرف فلا مانع من لقاء السيد حسن، فهو مدرك لأبعاد الوضع. البعض يظن أن قانون الانتخاب موضوع محلي فقط وليس هناك مشاكل أخرى. أنا أراقب الوضع من جهتي. وزير الدفاع الأميركي جال في المنطقة، والرئيس الأميركي سيأتي الى المنطقة أيضاً ويزور دولاً معينة. عنوان جولة وزير الدفاع تحجيم نفوذ إيران. هذا العنوان كبير. كيف يمكن تحجيم دور إيران؟ بخبرتي السابقة المتواضعة نتيجة التجارب التاريخية، ربما يجرّوننا مجدداً الى توتر مع إسرائيل، إن لم نقل حرباً. يتصورون أنهم بضرب لبنان ربما يحجّمون إيران، وأنا أعتبر هذا الأمر ضرباً من الجنون والتهور".

وعن دعوة نصرالله الى لملمة الوضع الداخلي، رأى جنبلاط أن "نصرالله معه حق. حتى لو كان البعض منا يختلف معه حول سوريا، فلنترك جانباً القضية السورية لأنها أكبر من أي لاعب لبناني. لا نستطيع أن نفعل أي شيء في سوريا، فلا نراهن على ذلك، ولنهتمّ بأنفسنا وباقتصادنا وبالوحدة الوطنية".

واذا كان يعتقد أن قيادات الصف الأول مدركة لمخاطر الضربة الإسرائيلية على حزب الله، أم أن هناك مراهنة على ذلك، رد جنبلاط قائلا: "اعتذر عن القول، يبدو أن هناك مراهنات على أمور أخرى، وبحد أدنى على سفن كهرباء ومكاسب آنية في المجلس النيابي والسوق الحرة والميكانيك، وليست هناك حسابات استراتيجية لدى البعض، إلا لدى حزب الله بطبيعة الحال".

وردا على سؤال حول من هو ندّه في موضوع المصالحة حالياً مسيحياً، قال: "البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، فارس سعيد ونايلة معوض، حتى سليمان فرنجية. خسرنا قيمة فكرية كبيرة هو سمير فرنجية رحمه الله، والرئيس ميشال سليمان. هناك كثر أيضاً: الرئيس عون، والقوات عبر جورج عدوان وهيكلياتها حاضرة في الجبل".

وعن نهاية هذا الوضع الانتخابي، لفت جنبلاط الى "أننا محكومون بين 15 أيار أو 20 حزيران. كلمة فراغ بدعة، إن لم نتفق على قانون في هذه المرحلة تجرى الانتخابات على أساس الستين"، معتبرا أن "الوضع يبدو كأنه كذبة متواصلة".

وعما اذا ستكون التحالفات الانتخابية نسخة عن الاصطفاف الحالي، أكد أنه "من المبكر الحديث عنها. لكن من الآثار السلبية للتحالفات الانتخابية كسارة فتوش لأنها دخلت في انتخابات زحلة. ولا نعرف كم عدد مرشحي المستقبل في الشوف، الله يزيدهم. تيمور حلّ محلي، وإذا أرادوا أخذ مكان تيمور فليتفضّلوا".

من جهة أخرى اعتبر جنبلاط أن "ما جرى ويجري في سوريا يتم تحت شعار لم يتغير من الخطاب الأول للرئيس السوري ​بشار الأسد​ عام 2011 وحتى الآن، محاربة الإرهاب. وتحت هذا الشعار دمرت مدن بكاملها وحصل ترانسفير للسكان من منطقة الى أخرى"، مشيرا الى أن "الحل السياسي لم يناقش، ونوقش عرضاً في جنيف، لكن النظام بقي مصراً على أنه يحارب الإرهاب. حتى الآن لا توجد آفاق حل"، لافتا الى أنه "في جنوب سوريا لم أتابع الموضوع كله، لكن خرجت وثيقة حوران، وكأنها مشروع إدارة ذاتية، إذا صحت المعلومات ويبنى في الجنوب كيان شبيه بكيان سعد حداد في جنوب لبنان، وهذا يجرنا ربما من باب التأويل الى تقسيم سوريا. وسبق أن ذكرت ذلك منذ اندلاع الحرب السورية، واستندت في ذلك الى كلام صديقي رئيس الأركان حكمت الشهابي رحمه الله في أيار عام 2011 وكان لا يزال في سوريا، وقبل أن يتوفى في أميركا عام 2013، قال لي: لا تنس ماذا قلت لك عن تقسيم سوريا".

واذا ما كان لبنان يقسم، جزم جنبلاط قائلا: "كلا، لبنان لا يقسم. هو بمنأى عن التقسيم. سياسة ردع الإرهاب نجحت، ولم نسمع، حتى في أوج الهجوم الكلامي بين الأفرقاء، كلاماً يذكّر بالكلام الذي قيل عام 1975 والثمانينيات، كالتعددية الحضارية وغيره، واللغة الطائفية التصاعدية هي بسبب الحرب المفتوحة سنياً ـــ شيعياً في العراق وسوريا"، أما عن لغة مسيحية لم نسمعها سابقاً، فرأى أن "هذا خطأ. يجب ترويض هذه اللهجة، لأنه لم يبق في هذا الشرق إلا هذا الكيان الصغير، ويجب الحفاظ عليه. العراق يتقسم من الداخل، وسوريا أيضاً، وربما نرى كياناً على شكل سعد حداد جنوباً وشبه كيان كردي. لذا يجب أن نلملم أنفسنا".