لا يهدأ ​الجيش اللبناني​ في مواجهة التحديات، وهو ينتقل من امتحان الى آخر، والحمد لله انه ينجح فيها جميعها بشهادة الخارج قبل الداخل. الثقة بالجيش قائمة وهو استحقها بدماء شهدائه، واليوم يجد نفسه امام تحد جديد بعد ان اعلن "حزب الله" انسحابه من السلسلة الجبلية الشرقية للحدود مع سوريا، واستلام الجيش المواقع العسكرية التي كان الحزب يرابض فيها.

هذه الخطوة قسمت الرأي العام اللبناني الى قسمين: قسم مناهض للحزب رأى ان الخطوة غير بريئة وتهدف الى الانكفاء امام احتمال توجيه ضربات للتحالف الدولي واسرائيل لهذه المراكز، وقسم مؤيد للحزب اعتبر ان الخطوة تعني انتهاء الدور المؤازر الذي لعبه الحزب للجيش على الحدود، وعودته الى مرحلة الاستنفار والجهوزية للمساندة عند الحاجة. وبغض النظر عن السبب الذي دفع الحزب للقيام بهذه الخطوة، الا ان الواقع الحالي يشير الى ان الجيش امام تحد جديد على الحدود، وان اللبنانيين جميعاً يثقون بقدرة ابناء المؤسسة العسكرية على القيام بالدور المناط بهم في هذا المجال على اكمل وجه، رغم النقص الكبير في العتاد والاجهزة، والذي يتم التعويض عنه ببعض المساعدات العينيّة والاهم باندفاع ضباط وعناصر الجيش للذود عن لبنان واللبنانيين.

هذه المستجدات دفعت الى اعادة دور الجيش الى الواجهة بعد ان طاب للبعض تهميشه، وهي ابرزت مقدار الثقة التي يوليها اللبنانيون جميعاً للمؤسسة العسكرية، وبالاخص حزب الله. صحيح ان قدر الجيش ان يبذل الدماء في سبيل الامن والاستقرار، ولكنه لم يبخل مرة في تقديم كل ما يجب لتحقيق الاهداف المنشودة. من المنطقي القول ان استهداف هذه المراكز (اذا ما تم استهدافها) سيكون فقط بواسطة الارهابيين، ولن يكون من مجال لاي دولة (اكانت التحالف الدولي او سوريا او روسيا او الولايات المتحدة...) ان تطلق اسلحتها على هذه المراكز لان من شأن ذلك تعقيد الامور والخروج عن الجهود التي بذلت لسنوات طويلة لابقاء لبنان تحت غطاء امني وابعاده عن ان يكون ملاذاً آمناً للارهابيين، والاكتفاء بتحويله الى "مركز استقبال" للنازحين. كما ان هذه الخطوة ستجعل من الاسهل على الدول التنسيق استخباراتياً وعسكرياً وامنياً مع الجيش في حين ان دولاً اخرى تجد احراجاً في التنسيق مع حزب الله ولو ان الامر يتعلق بمكافحة الارهاب والارهابيين.

على خط آخر، من شأن استلام الجيش مراكز على الحدود مع سوريا، تعزيز مطالبته بعتاد واجهزة حديثة تساعده على القيام بمهامه، وتشجّع الدول الغربية على مدّه بهذه المعدات والاجهزة في اطار التعاون على مكافحة الارهاب، كما ان هذه الدول ستكون اكثر من سعيدة في مشاهدة عناصر الجيش على الحدود مع سوريا وهي خطوة كان يتم المطالبة بها منذ زمن، وستساعد ايضاً على تعزيز الاستقرار بعد المؤشرات الاولى على دخول مرحلة التسوية من الباب الرسمي.

التحدي الثاني امام الجيش سيكون في جرود عرسال، وهو اجراء لا بد منه في اطار عملية "انهاء" الارهابيين للتفرغ للحل السياسي المنتظر، وعلى الرغم من صعوبة المسألة عملياً، الا ان الجيش سيكون كالعادة على الموعد -وسيحظى بدعم الجميع- ما لم تنجح المساعي السياسية التي يجب ان تبذل في بعض العواصم لحث الارهابيين على اخلاء الجرود دون معارك عسكرية.

الحدود الشرقية ليست كالحدود الجنوبية للبنان، وعمل الجيش فيها سيكون مضنياً واكثر خطورة، خصوصاً في غياب توافق سياسي حالي على ابقاء الحدود هادئة بسبب التواجد الارهابي والخوف من لجوء الارهابيين من سوريا الى لبنان. العد العكسي بدأ والجميع في انتظار ما ستؤول اليه الامور في هذه البقعة من لبنان لانها قد تكون اساسية في تسلسل الاحداث وخريطة التسوية الشاملة لسوريا والمنطقة ككل.