مع انطلاقة الربيع العربي في العام 2011 طُرح سؤال كبير عن الموعد المضروب لبداية انتقال موجات الفوضى الخلاقة إلى الممالك والإمارات المختلفة، ولا سيما أنّ التوجه الأميركي والخطاب الذي أمسك بناصيته الرئيس السابق باراك أوباما وإدارته، وجعله لازمة كررها في غير مكان ولا سيما في خطابه الافتتاحي في جامعة القاهرة في الرابع من حزيران 2009، والمعروف أنّ الأنظمة الموالية للأميركيين كانت على رأس القائمة المشمولة بهذا الخطاب، وإن لم تكن مطروحة على قائمة التغيير والفوضى في المرحلة الأولى لاعتبارات عديدة لا يتسّع المجال لذكرها في هذه العجالة.

ومن عجيب الصدف أن يكون موعد الخلاف الكبير بين دول مجلس التعاون الخليجي متزامنًا مع وفاة واضع الّلبنات الأولى لهذا التجمع السياسي والاقتصادي الوازن، مستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي منذ أيام قليلة.

تنقسم الأزمة القطرية السعودية المصرية الاماراتية، الى مستويات عديدة:

المستوى الأول، هو الأطماع السعودية التاريخية في الأراضي القطرية، ولا سيما بعد الاكتشاف الهائل للغاز.

في المستوى نفسه، تريد الامارات العربية المتحدة أن تأخذ دور قطر الإقليمي المنفوخ الذي مارسه القطريون في السنوات الست الماصية، وذلك من خلال حضورها الواضح في الأزمات الجديدة، ولا سيما بعد وفاة مؤسسها الراحل الشيخ زايد آل نهيان، واستلام ولي العهد محمد بن زايد دفة الحكم السياسي ولا سيما السياسة الخارجية.

المستوى الثاني، يتمثّل في العلاقة التاريخية المتوترة بين تنظيم الاخوان المسلمين العالمي وبين السعودية والامارات، وهنا تتقاطع المصلحة الكبرى بين الأطراف الثلاثة، السعودية مصر والامارات في تقليم أظافر "الاخوان"، إذا لم نقل قطع ايديهم، من خلال توتير العلاقة مع الداعم الثاني للإخوان وهو قطر...

ومن خلال هذا المستوى، يحضر العامل التركي بقوة. وبما أنّ المشكل قد يكون مكلفًا مع الداعم الأول والملهم والعمق الاستراتيجي للإخوان، وهو نظام رجب طيب اردوغان وحزبه العريض في تركيا، فإنّ تأديب قطر قد يكون مفيدًا ومؤثرًا، ورسالة مفيدة بأنّ القيادة الإسلامية للعالم الاسلامي ستبقى محصورة في السعودية.

المستوى الثالث يتمثّل في الهروب الى الأمام من قبل السعودية وحلفائها، تفاديًا للإخفاق الكبير في كل الملفات التي حشرت السعودية أنفها فيها في المنطقة، وخرجت منها بخسائر جسيمة على مستوى السمعة وعلى المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ابتداءً من العراق الذي حاول السعوديون في شتى وسائل الترهيب والتحريض الطائفي والمذهبي، ومن ثم من خلال الترغيب ومحاولة فتح علاقة مع غير مكوّن سياسي عراقي للالتفاف على المحور المقابل.

مرورًا بالحرب على سوريا، وتدمير الدولة السورية وتشريد الشعب السوري في أربع رياح الأرض، وإخفاقها في تغيير النظام، وبالتالي تمكين الجماعات المسلحة الموالية لها من الوصول الى الحكم في سوريا...

انتهاءً في الدخول المتهوّر في الأزمة اليمنية القائمة بين مكوّنات الشعب اليمني، والتدخل العسكري غير المسبوق للسعودية في إحدى أزمات المنطقة، وجني الفشل الكبير، في تحقيق اهدافها بتثبيت الرئيس المستقيل منصور هادي في الحكم، وهزيمة حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واللجان الشعبية وأنصار الله، بل ونتج عن ذلك دخول اليمنيين غير مرة الى الأراضي السعودية في عسير وجيزان وغيرها من المناطق الحدودية مع اليمن.

ولا ننسى الإخفاق الذي لاقته المملكة في لبنان عبر تمسكها لفترة طويلة، برفض انتخاب العماد ميشال عون كرئيس للجمهوريّة.

المستوى الرابع هو الشعور بفائض من القوة بعد الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة، ومنحها ما يشبه الضوء الأخضر في الاستغراق أكثر، او إغراقها في ملفات المنطقة، طالما أنّ الهدف من علاقة الإميركي مع السعودية هو الحصول على النفط والاموال...

ومن نتائج الإخفاق في الملف السوري لكل المحور المقابل جعل (النّقار) او المشاكل تنتقل الى البيت الداخلي، بعد الجهد الكبير الذي بذلته قطر ودول الخليج والولايات المتحدة لإسقاط الدولة السوريّة وتدميرها. لذلك فإنّ هذا الفشل الكبير ستكون له ارتدادات مؤثرة على المحور الإميركي الخليجي.

المستوى الخامس، العلاقة مع إيران، فعلى الرغم من الخطاب العدائي الواضح تجاه ايران، فإنّ الرد الايراني كان من خلال تجاهل الكثير من الاستفزازات، وتوجّه الإيراني إلى تحقيق الانجازات الكبيرة في الملفات العالقة في ساحات المواجهة مع السعوديين، من خلال الانتصارات المؤثرة للحشد الشعبي والجيش العراقي في تحرير الموصل، والوصول الى الحدود السورية العراقية، والتوغل الواضح في استعادة مساحات وبؤر شاسعة كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة في سوريا من الجهة المقابلة، والشروع في إجهاض المشروع الأميركي في قطع الشريان الرئيس في محور المقاومة، عبر اتخاذ نقاط عسكرية للأميركيين او حلفائهم على الحدود السورية العراقية.

المستوى السادس، يتمثّل في العامل الأميركي الذي لا يمانع في تفاقم هذه الأزمة بهدف تخويف البعض بالبعض الآخر، وبالنتيجة الهيمنة على المقدرات الاقتصادية للمنطقة.

ويتمثّل المستوى السابع، في سنّ الملوك في الخليج العربي، وهو تغيير الأنظمة بالقوة او بالضغط السياسي، مما سيؤدي الى سابقة ستنسحب في مراحل قادمة على جميع الممالك والمشيخات الأُخَر، وهنا مكمن الخطورة الذي أراد السعودي من تدخله العسكري في البحرين، تفاديه وقطع الطريق على أي حراك او مشروع سياسي محلي او اقليمي او دولي في تغيير تلك الأنظمة.

السؤال المطروح: ما هي الوسائل المتاحة لدولة قطر في الدفاع عن نفسها في مواجهة هذه الهجمة الشرسة؟

الإجابة هي إنّ هذه الممالك والأنظمة تعتمد في بقائها على الدعم الأميركي المفتوح، ودرع الحماية الواقي لها، كونها حليف وثيق في المنطقة. وأي تداعيات قد تحصل في موضوع تغيير النظام او الحاكم في قطر لن تتم الا بضوء أخضر اميركي واضح وحاسم. فهل أصبحت الأرضيّة جاهزة لانتقال الفوضى إلى دول الخليج العربي؟.

*أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية