فاجأ الموقف الذي اعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ ايام الكثيرين، اذ وضع نفسه في الخندق ذاته مع الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ فيما خص التحرك ضد سوريا في حال قيام النظام السوري باستعمال اسلحة كيميائية. هذا الموقف اتبعه ماكرون بدعوة ترامب الى احتفال العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز المقبل، وقبِلها الرئيس الاميركي بسرعة، فيما تم الاتفاق على مشاركة جنود اميركيين في العرض العسكري الى جانب رفاقهم الفرنسيين.

خطوتان اتخذتا بسرعة كبيرة، وكانتا كافيتين لاثارة العديد من الاسئلة وطرح الكثير من الاحتمالات والتحليلات. وقد رأى البعض ان الرئيس الفرنسي الشاب اختار الطريق الخطأ من خلال الاصطفاف مع ترامب ضد التوجه العالمي، الذي ينحو في اتجاه نبذ التفرد الاميركي بالقرارات والاقتراب اكثر من الاتفاق على عمل مشترك. ويعتبر هذا البعض ايضاً ان موقف ماكرون احرج ليس فقط فرنسا، انما اوروبا ايضاً التي يعمل ترامب على الابتعاد عنها في كل مناسبة، بدءاً من تخفيف حماسه العسكري لحلف شمال الاطلسي، مروراً بخروجه من اتفاق باريس للمناخ، وعدم الانسجام بالافكار مع المانيا ودول اوروبية اخرى... وهذا الامر يهدد بايفاد رسالة الى ترامب توحي له بأنه قادر على ابعاد اوروبا فيما ستستمر هي باللحاق به، ناهيك عن المخاطر التي ستواجه الاوروبيين في التدخل في الشؤون السورية دون رضى روسيا الفاعلة سياسياً وميدانيا ًعلى الساحة وفي المنطقة، في ظل توتر الاوضاع اصلاً بين القارة الاوروبية وموسكو حول اكثر من قضية وفي مقدمها اوكرانيا.

وفي مقابل هذا التوجه، يرى بعض المحللين ان الامور ليست دراماتيكية الى هذا الحد، وانه ربما يجب مقاربة الوضع من مفهوم ومنظار آخر. ويعتبر هؤلاء ان ماكرون انما يحاول تقريب ترامب من اوروبا من خلال خطوته هذه، وهو لا يخاطر بتفكك القارة الاوروبية، انما يحاول اعادة الامور الى نصابها بينها وبين اميركا، من خلال استمالة الرئيس الاميركي وموافقته على امر محدد وهو الرد على اي عمل كيميائي للنظام السوري. وهذه المسألة تحديداً تعتبر استثنائية، فالمرة الاولى التي تم فيها استعمال مثل هذا السلاح، بقيت النتائج مبهمة وسط اتهامات متبادلة بين النظام السوري ومعارضيه بالمسؤولية عن هذا الامر، وبالتالي لم يحسم الموضوع بشكل رسمي ونهائي. وقد يكون ماكرون قد عمل على احتواء "حماسة" ترامب، و"جرّه" الى العودة الى حظيرة الاجماع والتشاور قبل اتخاذ قرارات ستؤثر حتماً على جميع الدول في الشرق الاوسط واوروبا، وبعد ان وافق الرئيس الاميركي على دعوة نظيره الفرنسي والتزامه بالوقوف معه، سيكون من الصعب عليه اعلامياً وسياسياً التخلي عن هذا الالتزام والتفرد بالقرارات، وبالتالي بات عليه اقلّه الاستماع الى وجهة النظر الفرنسية من المسألة، وربما قد تكون كافية لاحداث تغيير ما على الصعيد السياسي.

قد لا تكون النظرية ناجحة، وقد تسقط في الامتحان الذي يطرق الباب حالياً، ولكن من المؤكد ان خطوة الرئيس الفرنسي لم تأت عن عبث وهي ليست مجانية، كما ان استعمال اسلحة كيميائية في سوريا لم يعد مسألة عابرة يمكن القيام بها، خصوصاً بعد التطورات الميدانية التي شهدت سيطرة اكبر للنظام السوري، ما يعني عدم الحاجة الى اللجوء الى مثل هذا النوع من الاسلحة حتى لو كانت لديه النية في ذلك.

هل ينجح ماكرون في تقريب اوروبا من اميركا عبر البوابة السورية، ام انه سيجد نفسه عاجزاً منذ الاختبار الجدي الاول له في احداث خرق في العلاقة الجليدية التي بدأت تتكوّن بين واشنطن والقارة الاوروبية؟ انها خطورة محسوبة للرئيس الفرنسي، لكنها ستعود عليه بالفائدة الكبيرة اذا ما فاز في رهانه، حيث سيعيد فرنسا الى دورها الاوروبي المميز الذي اضطلعت به سابقاً، كما سيعيدها ايضاً الى الملعب الشرق اوسطي بحضور اقوى وافعل.