ليس سّرًا أنّ تنظيم "داعش" ​الإرهاب​ي إنتهى أو شارف على الإنتهاء كخطر عسكري في المنطقة بكاملها، مع إنحسار سيطرته الجُغرافيّة إلى مساحات محدودة جدًا أبرزها في الرقّة وبعض مناطق مُحافظة ​دير الزور​ في ​سوريا​، وفي الحويجة والقائم وبعض المناطق الحُدوديّة في ​العراق​، لكنّ التنظيم الإرهابي لا يزال مُتواجدًا كخطر أمني في سوريا والعراق و​ليبيا​ و​اليمن​ ومصر وغيرها من الدول إقليميًا وعالميًا. وفي ​لبنان​، لم ينجح "داعش" يومًا بإيجاد موطئ قدم له سوى جزئيًا ب​جرود عرسال​ حيث تمّت هزيمته هناك من قبل ​الجيش اللبناني​ خلال معركة "فجر الجُرود" منذ بضعة أسابيع، لكنّ خطره الأمني مُتواجد عبر بعض "الخلايا النائمة" التي هي محطّ مُتابعة دائمة من قبل أجهزة الإستخبارات ومُكافحة الإرهاب الرسميّة في لبنان. فهل نحن في خطر أمني كبير كما يتردّد، وهل نُواجه فعلاً تهديدًا أمنيًّا وشيكًا؟.

عند المُقارنة مع باقي دُول المنطقة، من المُلاحظ أنّ تنظيم "داعش" لجأ إلى أسلوب "حرب العصابات" في مُهاجمة بعض الدوريّات الأمنيّة، ورفع من وتيرة الهجمات الإرهابيّة التي تستهدف مواقع حيويّة أكانت عسكريّة أم سياحيّة، ومن عدد التفجيرات الغادرة التي تطال المدنيّين عُمومًا، في المناطق التي هُزم فيها، باعتبار أنّ هذه الأساليب تُصبح الوسيلة الوحيدة المُتاحة لديه للإنتقام، وللإيحاء بأنّه لم يُهزم كلّيًا. وهذا الأمر بالتحديد أسفر عن تنامي الخوف على المُستوى اللبناني، عند هزيمة إرهابيّي "داعش" نهاية تمّوز الماضي، من إحتمال التعرّض لهجمات إرهابيّة إنتقاميّة. ثم جاءت إعترافات بعض الموقوفين الذين نجحت القوى الأمنيّة باعتقالهم وبانتزاع معلومات قيّمة منهم في سياق "الحرب الإستباقيّة" التي يعتمدها لبنان ضُدّ الإرهاب منذ سنوات، في رفع مُستوى التوتّر والخشية، بعد أن تبيّن أنّ تحضيرات جدّية تجري على قدم وساق لإستهداف مناطق آمنة عدّة وبعض المرافق السياحيّة أيضًا. وإكتملت أجواء البلبلة بعد إطلاق بعض سفارات الدول الكُبرى تحذيرات لرعاياها بوجوب أخذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم في لبنان وبضرورة تجنّب بعض الأماكن، مُترافقة مع موجة من الإشاعات والمعلومات غير الصحيحة التي إنتشرت بسرعة على مواقع التواصل الإجتماعي المُختلفة.

لكنّ وعلى الرغم من كل هذه المُعطيات والأجواء، يُمكن القول إنّ لبنان ليس في خطر أمني اليوم يفوق الخطر الذي كان فيه قبل بضعة أشهر أو حتى قبل بضعة أعوام، حيث أنّ السباق بين نجاح بعض الخلايا الإرهابيّة في تنفيذ ضرباتها، ونجاح القوى والأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة في إكتشاف هذه الخلايا وإعتقالها، مفتوح على مصراعيه منذ سنوات عدّة. وإذا كان صحيحًا أنّ هذه المخاطر الأمنيّة قد تصاعدت نتيجة إرتدادات الحرب السوريّة والتأثّر بما يجري في المنطقة ككل، فإنّ الأصحّ أنّ "الحرب الإستباقيّة" التي تُنفّذها القوى الأمنيّة اللبنانيّة تصاعدت أضعاف ذلك، حيث جرى تفكيك وتشتيت العديد من "الخلايا النائمة"، وتمّ إعتقال عشرات المطلوبين والمُشتبه بهم. وما أنّ تصل أي معلومة إستخباريّة عن مُطلق أي حركة مشبوهة في أي مكان في العمق اللبناني، وُصولاً إلى المناطق الحُدوديّة والنائية، مرورًا بمخيّمات اللاجئين السوريّين، حتى تتحرّك القوى الأمنيّة على وجه السُرعة لاعتقال الأشخاص موضوع الشُبهة والتحقيق معهم من دون التوقّف عند أيّ إعتبار سياسي أو مذهبي، إلخ. وقد أسفرت هذه السياسة الإستباقية الحازمة عن إفشال العديد من الهجمات الإرهابيّة في مهدها، وقبل التحوّل إلى مرحلة التنفيذ.

وحتى بالنسبة إلى الثغرة الأمنيّة المُتمثّلة بمخيّم "عين الحلوة"، فإنّه بعد إنتهاء معركة "جرود عرسال"، إتخذ قرار لبناني عالي المُستوى، بوجوب إنهاء هذه الظاهرة بأسرع وقت مُمكن، بالتنسيق مع القوى الفلسطينيّة المُعتدلة. وفي المعلومات المُتوفّرة أنّ إتصالات كثيفة قائمة في المرحلة الراهنة مع قيادات فلسطينيّة مُختلفة، لتأمين تسليم المطلوبين المُختبئين في المخيّم بأقلّ كلفة مُمكنة، لكن من دون مُماطلة هذه المرّة، بعد أن تبيّن إرتباط العديد من الخلايا الإرهابية في لبنان بأشخاص ومطلوبين داخل "عين الحلوة"، لجهة حُصولهم على التمويل والتوجيه والدعم اللوجستي على إختلاف أنواعه. وإضافة إلى تشديد الجيش اللبناني إجراءاته الأمنيّة حول المخيّم وعند مداخله، والحديث المُتزايد عن توجّه لنقل المزيد من القطاعات العسكريّة إلى المنطقة، تعمل القوى الفلسطينيّة على نقل عناصر مُقاتلة إضافيّة إلى داخل المخيّم، بهدف رفع مُستوى الضغط على المطلوبين والمُتهمين، وذلك في إطار الجُهود المبذولة لإنهاء وطيّ هذا الملفّ الشائك، لما فيه مصلحة ​الشعب اللبناني​ واللاجئين الفلسطنيّين أيضًا.

وفي الخلاصة، الخطر الأمنيّ موجود في لبنان كما في غيره من دول العالم، وإحتمال نجاح إحدى "الخلايا الإرهابيّة" بتنفيذ ضربة إرهابيّة غادرة وارد، ولكنّ نسبة هذه المخاطر ليست اليوم أعلى مُما كانت عليه في السابق، ما يستوجب عدم الإنجرار وراء الإشاعات والمُساهمة عن غير قصد بترويجها. كما أنّ اليقظة الأمنيّة لدى الأجهزة والقوى الأمنيّة اللبنانيّة، والفعاليّة الميدانيّة لهذه الأجهزةوالقوى أيضًا، هي أعلى من أيّ وقت مضى. والأهم أنّ "الضوء الأخضر" للإطباق على كل "الخلايا الإرهابيّة" أينما وُجدت في لبنان مُتخذ من قبل القيادات السياسيّة كافة، و"الحرب الإستباقيّة" على الإرهابيّين تُؤتي ثمارها، وهي مُستمرّة وسنشهد قريبًا تصاعدًا لها بهدف إنهاء ظاهرة "الخلايا النائمة"وحلّ ملفّ مخيّم "عين الحلوة".