مع أننا لا نمتُّ، في الشخص والهوى، الى الهندسة والكيمياء بصلة، نضعُ أنفسَنا اليوم موضعَ ألفرد نوبل الذي خرب الدنيا، وما انفكّ بعد رحيله يحاول إصلاح ما زرعه بجائزة مادية تحمل اسمه.

لو كنتُ ألفرد نوبل، لجعلتُ طرفين ​لبنان​يّين منذ أكثر من عشر سنوات يتشاطران ​جائزة نوبل​ للكيمياء. فبعدما حمل القواتيون والعونيون هذه الجائزة طوال العام الفائت وأثبتوا رغم المطبّات الهوائية أنهم لها مستحقون، يحافظ القواتيون على موقعهم في الجائزة ولكن هذه المرّة بالتشارك مع الكتائبيين. أما تسلُّم الجائزتين “المادية” والمعنوية فتمَّ منذ أيام في العاصمة السعودية الرياض على مرأى من مباركي هذا التقارب “المصلحي” لا بل صانعيه. وأتت المناسبة مضاعفة تقديرًا ل​سامي الجميل​ الذي رأى بعض العلماء أنه على طريق “اختراع الذرّة” في ملفّي ​سلسلة الرتب والرواتب​ و​النفايات​.

واللافتُ هذا العام أن أكثر من طرفٍ استحقّ درع “الكيمياء” الى جانب ​معراب​ و​الصيفي​. فالكيمياء الرهيبة بين الوزيرين ​جبران باسيل​ و​نهاد المشنوق​ على خلفية لقاء الأول نظيره السوري ​وليد المعلم​ استحقّت أن تُقدّر بجائزةٍ لم يتمكّن باسيل من تسلّمها بسبب “انشغالاته” الاغترابية.

لو كنتُ ألفرد نوبل، لحجبتُ جائزة الطبّ عن الجميع لأن أحدًا لم يفلح حتى الساعة في استئصال سرطان الفساد والهدر من جسد الدولة الواهن. وإن كان لا بدّ من منحها لأحد فتكون لمجلسي النواب والوزراء مجتمعَين لنجاحهما في ابتكار إبرةٍ يفوق مفعولها ذاك الذي تحدثه إبرة المورفين في الشعب “الغاشي".

لو كنتُ ألفرد نوبل، لما ترددتُ لحظةً في منح جائزة الفيزياء لجهبذ سلسلة الرتب والرواتب الذي ما ترك معادلة “آينشتانية” إلا وأرساها لتنتصر في نهاية المطاف المعادلة الآتية: ضريبة مضاعفة * أسعار مضاعفة * أقساط مضاعفة = تعتير مضاعف. وبما أن وزير الطاقة “أخد على خاطرو” نظرًا الى الجهود التي بذلها في شرح دروس الكهرباء والبواخر لزملائه في الصفّ الحكومي، أسنِدت إليه جائزة ترضية قد تتطوّر الى نوبل للفيزياء العام المقبل إذا ما نجح في إنارة لبنان 24/24.

استحقّ حيتان المال في لبنان جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام. فهم أبطالُ القطاعات المنتجة والمصالح أحرص الحريصين على ​الاقتصاد​، وهم الذين اكتشفوا ووثّقوا اكتشافهم بأن إقرار سلسلة الرتب والرواتب، الذاهبة الى التعليق على ما يبدو، خطرٌ داهمٌ على الاقتصاد المحلي وخزينة الدولة (المقصود بها جيوبهم).

أما الآداب التي غالبًا ما تُترَك للختام مسكًا، فيتقاسمها رئيس الوزراء السابق ​تمام سلام​ الذي مهما جارت عليه الأيام يبقى صامتًا هادئًا بسيطًا، والشاعر “غير الشاعر” بالشارع الرئيس السابق أيضًا ​فؤاد السنيورة​ الذي يعرف كلّ الأبيات إلا بيت القصيد.

وبما أن الساحة اللبنانية غنية بوجوهها، قررت لجنة جائزة نوبل العالمية استحداث جائزتين لهذا العام تتماهيان فقط مع منسوب الحماس المحلي: نوبل للطموح تذهب بجدارة الى ابنَي الشمال ​سليمان فرنجية​ الذي لا ينفكّ يهوّل “باجتياح” لبنان بجحافل ​المردة​ من أقاصيه الى أقاصيه فيما لا يُرى لهم في الواقع طيفٌ سوى في ​زغرتا​. والوزير السابق ​أشرف ريفي​ الذي يغفو ويستيقظ على حلم أن يصبح زعيم السنة الأول في لبنان.

والى الجائزة الأخيرة المعاصرة، حيث لا يمكن ل​وليد جنبلاط​ أن يقف متفرّجًَا على الجميع يحصد فيما هو يزرع في ​المختارة​ وفي كل مكان. وبما أنه يسرق كلّ الأنظار بتغريداته التي يطلق بعضها ويسحبها بعد برهة، أهلٌ له جائزة نوبل Influencer (بالإذن من القيمين على ملكة جمال لبنان 2017) على أن نشرح معنى الجائزة لاحقًا، أغلب الظنّ بعد قرن.

أخيرًا، لو كنتُ ألفرد نوبل في لبنان أعيشُ مع هذه الطبقة الحاكمة وثلّة “الزقيفة”، لأدركتُ أهمية اختراع الديناميت ولوجدتُ له استخدامات مفيدة لوجه الله... والشعب الشعب!