قبل أن يرفع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ سقف خطابه ضد الجمهورية الاسلامية ال​إيران​ية، كان يتوقع الإيرانيون تصعيدا اميركيا ضد ​طهران​ تعود مؤشراته الأولى الى أيام حملة ترامب الانتخابية التي أظهرت خطوط سياساته الدولية تجاه ال​ايران​يين والعرب وال​إسرائيل​يين والأوروبيين. تلك الأجندة الأميركية لا تقوم على الحرب بقدر ما تستند إلى "التهويل" للوصول الى تسويات تصب في مصلحة ​واشنطن​. لو كان ترجم ترامب خطابه التصعيدي، لقامت الحروب على جبهات عدة، أولها مع ​كوريا الشمالية​، ثم إيران. هل تتحمل ​الولايات المتحدة​ تبعات تلك الحروب؟.

المطّلعون على خفايا السياسة الأميركية لا يرون إمكانية متوافرة لأي حرب عسكرية:

اولا-لا إستعداد أميركيا ولا مصلحة بخوض حروب عسكرية، طالما أن الضغوط السياسية والعقوبات المالية تحقق أهدافها بحصار الدول المستهدفة وتجبرها على الأقل على عدم الارتياح.

ثانيا-في تصعيد ترامب فوائد مالية وسياسية، بدت مثلا في الأموال الطائلة التي جناها ترامب من دول خليجية دون الحاجة الى خوض حروب مكلفة ماليا، ولا صرف ما تجنيه الادارة لتحسين مستوى الوضع المالي والاقتصادي الداخلي.

ثالثا-تهدف ​الادارة الأميركية​ لخدمة ​تل ابيب​. أمر لا تخفيه السياسة الأميركية، خصوصا في عهد ترامب الذي يلبي رغبات الاسرائيليين بممارسة الضغوط واستخدام الصلاحيات الرئاسية لتعديل ​الاتفاق النووي​ مع إيران الذي رفضته تل ابيب منذ توقيعه.

رابعا-تقف طهران عقبة أساسية في وجه السياسة الأميركية، وتمنع مرور المشاريع السياسية في الشرق الأوسط، من ​القضية الفلسطينية​ الى ​سوريا​ و​العراق​ و​اليمن​ وساحات أخرى، ما يحتّم زيادة الضغوط الأميركية.

خامسا-أي حروب عسكرية جديدة ستأخذ العالم الى مزيد من التخبط في زمن تمدد الارهاب الذي تهدد "ذئابه المنفردة" عواصم العالم.

سادسا-لا توافق الدول الأوروبية على أي حرب عسكرية جديدة، لا بل تعارضها لأسباب أمنية وإقتصادية وخصوصا بعد التعاون مع طهران، ما يمنع الذهاب للحروب، بعكس المواقف الأوروبية التي كانت في العقود الماضية تنساق مع الأميركيين في التحضير و شن الحروب وتأمين الحملات الإعلامية والمالية.

سابعا-لم تعد واشنطن قادرة على تأمين تغطية أممية لأي حرب دولية. صارت ​روسيا​ والصين أكثر قدرة على الرفض وفرض الفيتو.

ثامنا-أي حرب عسكرية محدودة لن تؤدي غرضها، علما أن أي شرارة ستشعل المنطقة على امتداد التحالفات، لتصبح إسرائيل هدفا سهلا لصورايخ باتت تطال كل مراكزها ومصالحها و مدنها ومستعمراتها، وتمس من ناحية ثانية بالمصالح الروسية في المنطقة.

تاسعا-يتولى الارهابيون مهام اشغال الساحات بأحداثها، لتشكّل أي حرب خارجية-أميركية إنقلابا في المشهد، من دون أن يكون في مصلحة الأميركيين.

عاشرا-ستوحّد أي حرب الإيرانيين وتفرض التفافا اسلاميا حولهم، ما يجهض المخطط الذي أحدث شرخا مذهبيا طيلة السنوات العشر الماضي.

كل ذلك يؤكد أن لا مواجهة عسكرية بين ​الولايات المتحدة الأميركية​ وإيران، لكن الضغوط ستزداد، إما بتكرار العقوبات وتوسيعها، وهو ما لن يُثمر إيرانيا، ويؤذي الشركات الاوروبية التي عادت للتعاون مع طهران بعد الاتفاق النووي. وما يصح في شأن إيران يسري على حلفائها، فلا حروب عسكرية مفتوحة لا ضد "حزب الله" ولا ضد سوريا. يوجد بدائل عند الاميركيين والإسرائيليين، من العقوبات والحصار المالي، الى الأخذ بواقع وجود مسلحين يشغلون الجبهات الداخلية من سوريا الى العراق ويربكون ايران وحلفاءها نسبيا.