لا يخفي أديب الغريب الرجل السبعيني شغفه وحبه لمهنة صناعة الفخار "التراثية"، فعلى بُعد حوالي الساعتين والنصف عن العاصمة ​بيروت​، يقطن هذا الرجل وزوجته في ​راشيا​ الفخّار القرية الأحب على قلبه والتي تحمل مهنته إسمها، هناك يملك معملاً لصناعة الفخار، ومنه تنطلق أعماله في صناعة الأباريق الى الطناجر الفخارية إضافة الى المزهريات وغيرها من الأعمال التي تزيّن الأسواق اللبنانية...

ورث أديب المهنة عن والده الذي بدوره ورثها عن جدّه، وهو يعتبر أن أي شخص لا يمكن أن يحترف هذه المهنة دون أن يكون وارثاً لها عن أجداده. عندما يتحدّث غريب عن هذه "الصنعة" تلمع عيناه، فهي مصدر رزقه وشغفه بنفس الوقت. قصدت "​النشرة​" معمل غريب في ​راشيا الفخار​، ومن يسمع بكلمة "معمل" يظن أن المكان مجهز بأحدث تقنيات صناعة الفخار، ولكن "جنة" غريب ليست كذلك، فهي بالكاد مؤلّفة من "دولاب" وهو آلة تسمح بتحويل "العجينة" الى شكل الفخار الذي نريده، و"فرن".

من الطبيعة ومن أرض راشيا الفخار الخصبة تصنّع "المعجونة" أولا عبر إحضار الطين وضربه بعصا خاصة تقوم بجعله ناعمًا. بهذه الطريقة تبدأ صناعة الفخار بحسب ما يشرح أديب الغريب، لافتاً الى أن "ضرب الطين بالعصا يساعد في عملية النخل لأننا نحتاج الى طين ناعم للخروج بعجينة جيدة لصناعة الفخار"، ويشير الى أنه "لتحضير العجينة نحتاج الى "جرن" صغير لتذويب الطين وبعدها ينقل الى بركة كبيرة مستطيلة حيث يُترك ليتماسك، وهنا يستطيع الصانع أن يستعمل الكمية التي يريد من أجل أعماله".

بعد مرحلة صنع "المعجونة" وتماسك الطين تبدأ عملية صناعة الفخاريات وهنا يتم استعمال "الدولاب" الذي تحدثنا عنه. فبحسب الغريب "يوضع الطين في جرن خاص في الالة وبعد ادارتها يرسم صانع هذه الحرفة الشكل الذي يريده من أباريق الى طناجر وغيرها بيديه فقط"، ويلفت الى أن "المرحلة التالية تتم بالانتقال الى تجفيف الطين الذي بات يأخذ الشكل الذي نريده سواء أكان ابريقاً أو غير ذلك، ليتم اضافة اللون المؤلّف من حجر "المغرف" الذي يحمل اللون البني وحجر "الوردية" من ماء الرمل الأحمر"، ومضيفاً: "راشيا الفخار شهيرة بالرسومات التي تستخدم على الاواني الفخارية خصوصاً الأباريق".

بعد ذلك توضع الفخاريات في الفرن "المؤلف من طبقتين، على حرارة ما بين سبعمئة وألف درجة مئوية لتتجمّد بشكل صحيح وكاف".

باتت صناعة الفخار حرفة قديمة نادرة، فهي لا تتواجد سوى في بعض القرى التي لا تزال تعتمد بشكل أساسي على المهن القديمة لتأمين لقمة عيش سكانها، ولكنها رغم ذلك تبقى هذه الحرفة "تحفة تراثية" زيّنت وستبقى تزيّن تاريخ تلك القرى!