عاد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى ثيابه العسكرية في تعاطيه السياسي مع الازمة التي باتت تهدّد عهده وصورته، فحزم أمره واطلق الرصاص التحذيري في المواقف التي اطلقها خلال جلسة ​مجلس الوزراء​ الاخيرة التي انعقدت برئاسته في قصر بعبدا. حدّد عون في كلمته ما يشبه "الخطوط التماس" التي لا يجب تخطّيها وما قوله عبارة "ممنوع ان نفشل ولن نفشل"، سوى الدليل الحيّ على انه لم يعد يحتمل سحب الودائع من شعبيته وصورته وعهده. فخلال الفترة الاخيرة، ظهرت مؤشّرات لم يكن عون يعتقد انه سيشهدها خلال فترة رئاسته للجمهورية، ومنها تلك التي ظهرت على عهد الرئيس السابق العماد اميل لحود "ارحل" والدعوات الى استقالته وغيرها من الامور. وعلى الرغم من ان هذه العبارات والانتقادات لم ترتقِ الى مستوى الحملات، ولا الى السقف الذي بلغته في عهد لحود، الا انه يبدو ان الرئيس الحالي اعتبرها كافية للتدليل على انها مؤشّر لرغبة في التمادي بها وايصالها الى عتبات لا يجب الوصول اليها.

اضافة الى ذلك، تلمّس عون انّ الازمات التي حصلت على الصعيدين الاقتصادي والمالي انما استهدفته بالدرجة الاولى، ناهيك عن التصويب عليه في تنقّلاته الخارجية وعلاقاته مع الاطراف الآخرين، فقرر البدء بحملته الخاصة في منتصف عهده. ولكن، كما لاحظ عون في بداية عهده، فإنّ الامور ليست بالسهولة التي يعتقد الكثيرون انها موجودة في الحياة السياسية، لان عليه السير في حقل الغام متجدّد لا يعلم متى يتجدّد فيه موقع هذه الالغام وحجم تأثيرها. لجأ عون الى التهديد بالقضاء وبالقوانين، وحاول رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ "القوطبة" عليه من خلال تخفيف الوقع عبر اقتراحه مثلاً فرض الغرامات المالية على الصحافيين الذين يعتمدون الشتم والقدح والذم بدل السجن... كما اعلن وجوب محاسبة كل وزير أخطأ، مع علمه المسبق ان في الامر عواقب وخيمة لا يمكنه تخطّيها او القفز فوقها، وان الامر قد يقتصر في افضل الاحوال على "صفعة على اليد" لوزير من هنا وآخر من هناك، فأيّ حزب سيقبل التعرض لوزير محسوب عليه دون الآخرين؟ حتى "​التيار الوطني الحر​" لن يقبل بذلك، فستصدر الاصوات بوجوب التعامل بالمثل مع الجميع والاّ... ويجب التذكير هنا بأن ​حزب الله​ الذي اعلن امينه العام الحرب على الفساد قبيل ​الانتخابات النيابية​ وتجديد عزمه اليومي على هذا الامر، لم يتمكن بعد من تحقيق غايته للاسباب نفسها التي تتحكم بالبلد، فيما شاهد الجميع تأثير احداث "قبرشمون" على لبنان وتعطيلها انعقاد مجلس الوزراء وشلّها لحركة البلد لاسابيع عديدة، قبل استنباط الحل السحري.

من الممكن ان يكون رئيس الجمهورية قد قام بمناورة عسكريّة للدفاع عن نفسه وموقعه وصورته، وقد يكون رهانه الحقيقي على ادخال بعض الحيويّة الى لبنان عبر ملفات النفط والغاز والكهرباء وتحسين الطرق والنقل العام وابرزه سكك الحديد. انها انجازات ينتظرها اللبنانيون منذ عقود طويلة من الزمن، ومن يحققها سيحظى حتماً بمكانة خاصة في قلوبهم.

ادرك عون ان ما يريده اللبنانيون هو امور ملموسة تساعدهم على تخطي صعوباتهم اليومية، وقد تلقى صدمة قويّة بمرور انجاز -كان يعتبره بمثابة حلم وهو اعتماد لبنان مقراً لـ"اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"- مرور الكرام ولم يلقَ الاهتمام اللازم بفعل الازمات المتلاحقة التي ضربت البلد خلال ايام قليلة ونقلته من حال الى اخرى، وهددت بانهيار وضعه الاقتصادي والمالي وخراب حالته السياسية لو لم يتم تدارك الموقف اقليمياً ودولياً قبل تداركه محلياً. وتبقى العبرة في ما يمكن لعون ان يحققه منذ هذه اللحظة التي قد يعتبرها الكثيرون انها البداية الفعلية لعهده.