كما كان متوقعاً، فقد تبنّى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مشروع القرار الذي قدّمته كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وقطر، وهي أطراف تدعم المجموعات الإرهابية المتطرّفة بالمال والسلاح. وقد انطوى القرار على إدانة للدولة السورية، ووصف حضور العناصر الأجنبية في سورية بأنه «يمثّل خطراً كبيراً على الاستقرار في المنطقة». وذلك ربطاً بالمعارك التي تجري في مدينة القصير، حيث كلّف القرار لجنة مستقلة بمهمة تقصّي الحقائق في القصير.

وكما هو معلوم، فإنّ الحديث عن مقاتلين أجانب في سورية، المقصود به عناصر حزب الله. لكن المفارقة الغريبة العجيبة أنّ المجلس المذكور لم يأتِ على ذكر عشرات الجنسيات الأجنبية التي تتشكّل منها المجموعات الإرهابية المتطرّفة، التي سقط منها مئات القتلى في المعارك، وهم من جنسيات عربية وأفريقية وأجنبية.

على أية حال، عندما يكون مشروع القرار الذي تبنّاه مجلس حقوق الإنسان مقدّماً من دول تقدّم المال والسلاح، وتؤمّن عبور الإرهابيين والمتطرّفين إلى سورية عبر تركيا، فهو لن يتضمّن أيّ إشارة إلى العناصر الإرهابية المتعدّدة الجنسيات. وعندما يكون المجلس المذكور من المؤسّسات الدولية التي تعمل لحساب الولايات المتحدة الأميركية ووفقاً لسياساتها ومصالحها ومشاريعها، فلن يقارب موضوع حقوق الإنسان على أساس الوقائع والمعلومات والأدلة، بل سيُنفّذ أجندة أميركا وإملاءاتها، وهذا دليل على أنّ الدول التي سعت وراء القرار وصوّتت عليه، تتحمّل مسؤوليّة مباشرة عن الجرائم التي ترتكبها المجموعات الإرهابية، وترمي من وراء القرار إلى تشجيع هذه المجموعات على ارتكاب المزيد من الجرائم.

أقلّ ما يُقال في قرار مجلس حقوق الإنسان والقرارات الأخرى المشابهة، بأن لا قيمة لها على الإطلاق، خصوصاً أنّ المؤسّسات الدولية التي تُصدِر هذه القرارات العدائية ضدّ الدولة السورية، هي مؤسسات خاضعة للمشيئة الأميركية ـ الغربية ـ»الإسرائيلية»، وهي قرارات تعكس ازدواجية المعايير، لأنها تقوم على أساس تجاهل الوقائع التي تثبت ارتكاب المجموعات الإرهابية المتطرّفة جرائم موصوفة ضدّ الإنسانية، تتمثّل بالمذابح وقطع الرؤوس واستئصال الأكباد والتمثيل بالجثث، وهي وقائع موثّقة بالصور، ومنتشرة على العديد من المواقع الإخبارية ومحطات التلفزة.

ما هو لافت، أنّ الهدف من القرار ليس توجيه الاتهام جزافاً إلى الدولة السورية وعناصر حزب الله وزيادة الضغط على الدولة السورية فقط، بل هدفه أيضاً التغطية على الجرائم والمذابح التي ترتكبها المجموعات الإرهابية، ويندرج في سياق سعي الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين إلى تقويض الجهود التي تبذلها روسيا في سبيل الوصول الى حلّ سياسي للأزمة في سورية، وقد تأكد هذا السعي الأميركي ـ الغربي بالقرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي قبل يومين والذي قضى برفع الحظر عن توريد الأسلحة للمجموعات الإرهابية، ومسارعة واشنطن إلى الترحيب بهذا القرار، تزامناً مع تسلّل السيناتور الأميركي ـ الصهيوني جون ماكين إلى الأراضي السورية، بالطريقة ذاتها التي يتسلّل بها الإرهابيون، في خطوةٍ منسّقةٍ الهدف منها تقديم رسائلَ دعم ومؤازرة للمجموعات الإرهابية المتطرّفة.

ما هو مؤكد أنّ هناك صلة واضحة بين قرار الاتحاد الأوروبي بتزويد المجموعات الإرهابية بالسلاح، وبين قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتسلّل جون ماكين إلى الأراضي السورية، وجمع قوى الائتلاف السوري في اسطنبول، كلّ ذلك يؤشّر إلى أنّ الدول الداعمة للمجموعات الإرهابية المتطرّفة في سورية تدفع بكلّ ما تبقى لديها من أوراق، من أجل إفشال الجهود الحثيثة التي تبذلها روسيا وإيران بهدف الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة السورية. وهذا من شأنه أن يكشف جانباً من سياسة الخداع التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية، ويضع مهمة وزير الخارجية الأميركية وموافقته على «جنيف 2» في مرمى التساؤلات.

باختصار، إنّ الولايات المتحدة ومعها دول غربية وتركيا «إسرائيل» وعرب متأسرلون، لا يريدون وقف النزف السوري، بل يدفعون باتجاه سفك المزيد من الدماء السورية، بواسطة قوى الإرهاب والتطرّف والتكفير، وقد أرعبتهم وقائع الميدان في القصير وفي معظم المناطق السورية، فأرادوا الردّ بقرارات الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان لإفشال جهود الحلّ وتوفير بيئة لمواصلة العدوان على سورية بأشكال مختلفة ومتعدّدة.