بعد حرب تموز 2006، سجلت ​قطر​ اندفاعة كبيرة باتجاه لبنان وسوريا أدّت حينها إلى مؤتمر الدوحة الذي أنتج الطبقة السياسية الحاكمة راهنا بدءا من قانون الانتخاب مرورا بانتخاب الرئيس ميشال سليمان وليس انتهاءً باعادة رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي، فيما اسقطت الاتفاق الذي عرف انذاك باتقاق السين – السين اي السعودية سوريا فحملت لواء اسقاط النظام السوري وشكلت رأس حربة الحرب على الرئيس السوري بشار الاسد من خلال غرفة عمليات ممولة بالكامل منها وان كانت على الاراضي التركية حتى ان تقارير غربية تحدثت عن مبالغ طائلة صرفتها الدوحة لتمويل الحرب عبى سوريا فاقت الثلاثة مليارات دولار، ومع ذلك كان السقوط المدوي في لبنان وسوريا على حد سواء دفع ثمنه غاليا الشيخ حمد بن خليفة ورجله الاقوى حمد بن جابر مفسحين في المجال امام ولي العهد الشيخ تميم للعودة الى العقلانية في ادارة السياسات الخارجية للدولة الخليجية الاصغر.

سرد بسيط ومبسط لدبلوماسي عربي مخضرم عايش المرحلة بتفاصيلها كافة للاشارة الى ان المنطقة دخلت مرحلة جديدة لا تقل خطورة وحراجة عن سابقتها، والاكثر من ذلك للدلالة على ان المملكة العربية السعودية هي المرشحة لقيادة المرحلة عربيا بغض النظر عن النتائج التي يمكن تحقيقها وما اذا كانت ستكون الضحية التالية لثورة الربيع العربي التي عادت الى مربعها الاول مع انطلاق حرب الميادين في القاهرة، ام انها ستنجح في تعديل موازين القوى الاقليمية والدولية انطلاقا من الميدان السوري والساحة اللبنانية.

بوادر المرحلة بدأت مع محاولة الثنائي بندر بن عبد العزيز – سعود الفيصل استعادة بعض الاوراق السورية واللبنانية، وهما نجحا بذلك من خلال تمكين الرجل الاقرب الى سياسات المملكة احمد الجربا من الوصول الى منصب الرئاسة بفارق بسيط مع المرشح المدعوم قطريا، فيما يجهدان أيضا للعودة الى الساحة المحلية من خلال تيار المستقبل في محاولة للتعويض عن الخسارة في الشارع السني لمصلحة التيار القطري الذي أدّى الى تعاظم النفوذ السلفي في طرابلس وصيدا على حد سواء.

قي هذا السياق يدرج الدبلوماسي المعني الحراك المستقبلي وآخره اللقاء الاذاري في صيدا وما اعلنه النائب فؤاد السنيورة في ختامه من مواقف شعبوية تهدف لاستعادة ما فقده التيار الازرق لمصلحة الارهابي احمد الاسير وقبله نشاط للنائبة بهية الحريري في طرابلس ومحاولتهما استعادة رونق الشارع من خلال مخاطبته بلغته، اي اعادة الكرة الى ملعب حزب الله وتحميل سلاحه مسؤولية نشوء ظاهرة الاسير، فضلا عن اتهامه بالمشاركة الى جانب الجيش في احداث عبرا في محاولة مكشوفة لاجهاض النتائج السياسية المحققة على صعيد استعادة الهيبة وكل ذلك عبر خطاب لا يخلو من التجييش لمصلحة التيار الازرق باعتباره المنقذ للسنية السياسية، وبالتالي تجيير المكاسب لمصلحة سياسات المملكة العربية في لبنان لاقفال الحلقة السياسية وحصرها بها بعد ان تمكنت من فرض سيطرة ولو جزئية على رئاسة الائتلاف بحيث تستكمل مشهد حصر الاوراق بيدها للمساومة والتفاوض.

ليس بعيدا يعرب الدبلوماسي عن اعتقاده بان الخطوة السعودية هذه تحمل اهدافا استراتيجية ابرزها كسب المزيد من النقاط للضغط على ايران ودفعها الى القبول بالجلوس الى طاولة مفاوضات من موقع ندي وليس من معادلة الغالب والمغلوب، وكل ذلك عشية لقاء الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين في ايلول المقبل وفي زمن تجميع الاوراق وتحسين المواقع. فهل تنجح المملكة حيث فشلت قطر فتبعد بذلك الكأس المرة عنها ام ان الامور باتت في مرحلة متقدمة يصعب معها تعديل موازين القوى؟