سيطر الغموض على مسار المعارك الدائرة في شمال سوريا، في مشهد يؤكد على حراجة الموقف بالنسبة للجيش السوري وللمسلحين على حد سواء، في ظل معلومات نقلها زوار العاصمة السورية عن قياداتها العسكرية مفادها أن القوات المسلحة بدأت منذ أيام هجوماً مضاداً بعد أن اكتفت في المرحلة الأولى بصد الهجمات والإكتفاء بالدفاع، استناداً إلى استراتيجية كشفت عنها القيادات المعنية تقضي بالتزام خطوط الدفاع ومحاصرة ما أمكن من المسلحين، ودفعهم إلى نقاط تجمع متفق عليها ليعمل بعد ذلك سلاح الجو على قصف الأماكن المرصودة بدقة لمؤازرة المدفعية الثقيلة والصواريخ الحديثة التي استخدمها الجيش للمرة الأولى، وكل ذلك للقضاء على أكبر عدد من القتلى والاصابات المباشرة في صفوف المسلحين الذين يتوافدوا بكثرة غير مسبوقة عبر الأراضي التركية لتشكيل مجموعات جديدة للحلول مكان المستهدفة أو المتراجعة، في تكتيك ينم عن حسن قيادة للمعركة، من قبل أجهزة عسكرية وغرف عمليات مشتركة بين القوات التركية والسعودية والأميركية، أقل ما يقال فيها أنها محترفة للغاية وتعرف جيداً مكامن الضعف ونقاط القوة لدى خصمها.

المعارك الموصوفة من قبل هؤلاء بالعنيفة والشرسة، دفعتهم للتأكيد أنها تحمل أكثر من هدف لا يشمل بالطبع اسقاط النظام، بل الضغط عليه للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث في تقسيم الجمهورية السورية واعادة رسم خريطتها الجيوسياسية بشكل كامل، خصوصاً أن الغرب يعتقد أن الرئيس السوري ​بشار الأسد​ غير قادر على الحكم بعد تسببه بمقتل أكثر من مئة الف مواطن سوري، وبالتالي هو لا يستطيع الجلوس على بركة من الدماء.

من جهة ثانية يبدو أن النظام بات عصياً على اسقاطه مهما كانت الضغوط، بالإضافة إلى فشل المجتمع الدولي باقناع موسكو وايران بالوقوف إلى جانبه لمنع الأسد من الترشح لولاية جديدة، ما أسس إلى الانتقال لتنفيذ محاولة جديدة لتقسيم سوريا بعد أن نجح النظام في تأمين مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية من خلال السيطرة على الساحل السوري برمته.

هذا لا يعني بالطبع أن مشروع تقسيم سوريا سينجح بالفعل، فالرئيس السوري ونظامه المستمر منذ عقود يؤكد أن الحرب السورية مستمرة حتى حسم الموقف بشكل نهائي، وبالتالي يرسم النظام لنفسه أكثر من هدف، ليس أولها القضاء على الارهاب والارهابيين بشكل كامل ونهائي، ولا آخرها المحافظة على كامل الأراضي السورية وابعاد شبح التقسيم، مروراً برفض انشاء امارة اسلامية مهما كان حجمها وشكلها في أي بقعة من الأراضي السورية، حتى لو كانت على تخوم تركيا أو ضمن مثلث الحدود التركية العراقية السورية.

من جهتها، تكشف مصادر دبلوماسية غربية أن مشروع التقسيم بات حيوياً بالنسبة لخصوم لسوريا، وبالتالي من الطبيعي العمل على تحقيق هذا الهدف، من خلال افراغ مناطق جغرافية تتصل بالحدود التركية، على اعتبار أن خطوط امدادها تصبح سالكة من دون عوائق يتم من خلالها توسيع اطار الامارة الاسلامية لتشمل فيما بعد قرى سنية تشكل بحد ذاتها خط الدفاع الأول عن تركيا كما تشكل الحزام الفاصل بين علويي سوريا وعلويي تركيا، غير أن زوار العاصمة السورية يؤكدون على استحالة تحقيق هذا الهدف، فجبهة الشمال ستشهد متغيرات أكيدة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً أن ​الجيش السوري​ استكمل استعداداته للانصراف إلى المعركة بكل ما أوتي من قوة، وهذا ما يبرر اسراعه في حسم معركة الغوطة، ليس فقط لاسقاط أي محاولة لاخضاع العاصمة دمشق، انما لتفريغ أكبر عدد من الكتائب المقاتلة لحسم الموقف ليس فقط على الحدود الشمالية، بل في حلب مدينة وريفاً.