ثلاثةُ تطوراتٍ ومواقف حفلت بها عطلة نهاية الأسبوع:

إثنان منها معلنان والثالث متواصل ولكنَّه غيرُ معلَن.

الموقفُ الأول المعلن، هو القنبلة المُدوِّية التي فجَّرها النائب وليد جنبلاط حيال سلسلة الرتب والرواتب، فبدا خائفاً جداً من مضاعفات إقرارها وأطلقَ سلسلةً من التساؤلات أبرزها:

لماذا الإستعجال؟

صَبَرْنا وقتاً طويلاً ويمكن أن نصبرَ القليلَ بعد من أجل تحصين السلسلة وحماية الإقتصاد.

جنبلاد عاد بالذاكرة إلى أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فذكَّر أنَّه في تلك الأيام جرى إقرار غلاء المعيشة للموظفين، الأمر الذي تسبب بتضخم وتبين أنَّ بعض الإيرادات وهمية.

جنبلاط يُعطي البعدَ الحقيقيَّ لِما يجري فيُنبِّه إلى أنَّه إذا دخلنا مجدداً في هذه المغامرة، نكون نورّط الرئيس المقبل للجمهورية بملفٍ متفجِّرٍ ونقطع عليه فرص النجاح.

ويقول:

لنتذكَّر الكارثة التي حصلت في أيام حكومة الرئيس عمر كرامي حين أَمسَكَتِ الدواليبُ المحترقةُ بالشارع، وآنذاك كان الدين العام يبلغ 3 مليارات دولار فقط أما حالياً فإنَّ الرقمَ المعروفَ هو 65 مليار دولار، وأخشى من أن نكون أمام يونان جديدة مع فارق أنَّ اليونان وجدت أوروبا لتنقذها، أما لبنان فلا أوروبا ولا العالم العربي المتهاوي سينقذانه.

***

الصرخةُ الثانيةُ جاءت من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي وضعَ إصبَعَهُ على الجرح، فابْتَكَرَ ثلاثيةً يُفتَرض بالمسؤولين أن يأخذوا بها وهي ثلاثية:

حقوقُ الشعب، وإمكانيّاتُ الدولة، والإصلاحاتُ اللازمة. فالعدالة تقتضي أن يُعطى الشعب حقوقَه، والدولةُ مسؤولةٌ عن توفير إمكانياتها من دون أن تُرهِقَ المواطنين بمزيدٍ من الضرائب، أو تزعزعَ المؤسساتِ الخاصَّة التربويَّة والمصرفيّة والسياحيّة التي هي ضمانة البلاد، والإصلاحاتُ توجبُ على المجلس النيابي والحكومة إتّخاذَ القرارِ الجريء بالتزامها. فتضبُطُ هدرَ المال العام بضبطِ مداخيلِ الدولة وحصرِ النفقات، وتُجري المحاسبةَ العموميّة.

***

وبين الصرختين المعلنتين لسيّد بكركي وزعيم المختارة، كانت إنشغالاتُ فخامةِ الرئيس سليمان في مكانٍ آخر:

فهو منكبٌ على تحضير خطاب الوداع التاريخي مبتعِداً عما يدور في البلد من انشغالات وانهماكات. وهنا يُطرَح السؤال:

ما هي الحقبةُ التي سيستند إليها المعاونون لتدبيج الخطاب؟

هل هي حقبةُ بداية العهد أم نهايته؟

ما كان لهذا السؤال أن يُطرَحَ لو أنَّ الإنسجامَ والتناغمَ السياسيين سادا العهد، لكنَّ مضمونَ البداية شيءٌ ومضمونَ النهاية شيءٌ آخر:

خُطَبٌ البداية لم تكن بعيدةً عن الإشادة الكلية بالمقاومة، على عكس خطب النهاية التي لم تكتفِ بالإبتعاد بل حتى الإنتقاد، وهذا الإنتقاد لم يكن من دون غايةٍ بل من أجل إيجاد موقعٍ في الحيثية المسيحية للإنطلاق منها بعد العهد، لكنَّ حساباتِ الحقل لم تُطابق حساباتِ البيدرِ فبدا الموقفُ الرئاسيّ مرتبكاً وهذا ما جعل موقع الرئاسة في آخر العهد بعيداً عن الملفات والهموم التي تتمُّ مناقشتها.

***

تحت سقف هذه المواقف والمعطيات، الموعدُ اليوم هو مع المنازلة الكبرى في مجلس النواب، فماذا سيجري؟

اللجانُ النيابية المشتركة قدَّمت تقريرين:

الأول يتضمَّنُ مشروعَ قانون سلسلة الرتب والرواتب، والثاني مشروعَ قانونِ الواردات لتغطية هذه السلسلة.

في المشروع الأول هناك إقتراحٌ لتقسيط السلسلة إلى ثلاث سنوات، كما إلى خفض بعض الدرجات.

أما في باب تمويل السلسلة فهناك إقتراحٌ برفع معدَّلَ الضريبة على الفوائد من 5 إلى 7 في المئة.

هذا الإقتراح جرى التوقُّفُ عنده ملياً لأنَّه يطاول زبائنَ المصارفِ من المودعين، ويطاولُ أيضاً توظيفات المصارف في السندات وشهادات الإيداع.

وهذا ما سيؤدي إلى إحتمالين أكيدين:

بدء هروب رؤوس الأموال وإنكفاءُ المصارفِ عن شراء سندات وشهادات الإيداع.

في هذه الحال، وفي غياب أيِّ توظيفاتٍ خارجية وفي ظلِّ إنحسار الإستثمارات وغياب السياحة، من أين ستؤمِّن الدولة التمويل للسلسلة؟

ربما هذا ما حذَّر منه النائب جنبلاط عن الإيرادات الوهمية، ولكن ماذا ينفع النَدَمْ بعد أن يكون ما أُقِرَّ قد أُقرَّ؟