صحيح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد حدّد الأربعاء المقبل موعداً لانعقاد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وصحيح أن كل القوى السياسية تُجمع على ضرورة إجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري لتجنّب الفراغ. وصحيح أن معظم الكتل النيابية أعربت عن استعدادها لحضور الجلسة المقررة في 23 الحالي. لكن وسط هذا كله يبرز السؤال التالي: هل سيكون للبنان رئيس للجمهورية ينتخبه البرلمان اللبناني من خلال الصندوقة التي سيحملها أحد موظفي المجلس ويدور بها على النواب؟

لا بد بداية من مقاربة العملية الإنتخابية من حيث الشكل الذي يفرضه الدستور.

إن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلّب على مستوى عملية الإقتراع:

1- توفّر ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لتأمين النصاب القانوني للجلسة (86 نائباً).

2- لفوز المرشح يُفترض أن يحصل في الدورة الأولى على ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس أي 86 صوتاً وما فوق.

3- إذا لم يحصل المرشح على الثلثين، تُقام دورة اقتراع ثانية، وهذه الدورة تتطلّب بدورها التالي:

أ- توفّر النصاب القانوني أي الثلثين.

ب- حصول المرشح على الأكثرية المطلقة من النواب الذين يتألف منهم المجلس أي 65 صوتاً وما فوق.

ت- إذا لم يحصل المرشح على 65 صوتاً تنطبق عليه ذات الحالة على الدورات التي تليها حتى ولو وصلت الى حدود المائة دورة.

وحيال ذلك من البديهي السؤال ما إذا كان الرئيس بري قد ضمن تأمين النصاب حتى بادر الى تحديد موعد هذه الجلسة؟ والجواب على ذلك بسيط وواضح وهو أن الرئيس بري المعروف عنه حرصه على عدم مخالفة القوانين والدستور انطلق بتحديد الموعد من منطلق أن هذا الأمر هو من صلب صلاحياته، وبالتالي فإنه قام بما يمليه عليه الدستور، وكذلك بعد أن أبدت معظم الكتل النيابية رغبتها في أن تكون الجلسة في النصف الثاني من هذا الشهر، إضافة الى أن البطريرك بشارة بطرس الراعي الذي أعرب عن هاجس خوفه من الوصول الى الفراغ كان قد بعث برسائل مباشرة وغير مباشرة يأمل فيها من الرئيس بري الإسراع في الدعوة لجلسة الانتخاب، وهذا ما جعل رئيس المجلس يبادر فور الإعلان عن تحديد موعد الجلسة الى الاتصال ببكركي وإبلاغ البطريرك بالدعوة والتشاور معه بهذا الاستحقاق، وهذا يعني أن الرئيس بري قام بما يمليه عليه الدستور وأن البقية التي ستأتي تقع على عاتق النواب في تأمين نصاب الجلسة أم لا.

وبغضّ النظر عن الآلية التي تحكم عملية الانتخاب، فإن الاتصالات والمشاورات على المستوى الداخلي لا تظهر أن هناك جلسة انتخاب فيها توافق على انتخاب رئيس جديد، كما أن المناخات الإقليمية والدولية لا تبدو أنها مؤاتية لمثل حصول هذا الاستحقاق، كما هو معروف فإن الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق لبناني غير أنه بقرار خارجي تتولاه الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، والسعودية، وإيران، كما أنه لا يمكن تجاهل العامل السوري بغضّ النظر عن الظروف التي تمر بها دمشق هذه المرحلة، وبالتأكيد فإن الكلام الرئاسي اللبناني لم يبدأ بين هذه الدول المنشغلة برزمة من الاستحقاقات في غضون الأشهر المقبلة، فهناك الانتخابات المصرية، والانتخابات السورية، وكذلك الانتخابات العراقية، فضلاً عن محطات مهمة أيضاً وفي مقدمها نتائج الحوار الدائر بين الغرب وإيران حول الملف النووي، ومصير المساعي الجارية لإعادة وصل ما انقطع بين طهران والرياض اللتان تلعبان دوراً محورياً وهاماً في رسم صورة المنطقة وعلى وجه الخصوص لبنان.

كل هذه الاستحقاقات مجتمعة توحي بأن جلسة الانتخاب يوم الأربعاء ستكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الألف ميل، بمعنى أنها ستفتح حلبة التنافس بانتظار ما ستؤول إليه الاستحقاقات المؤثّرة في المنطقة.

وترى أوساط سياسية عليمة أنه من الصعب خوض غمار الاستحقاق الرئاسي من دون تفاهم داخلي، وأن غياب هذا التفاهم يفترض حصول تسوية إقليمية أو دولية تعوّض عن غياب هذا التفاهم وبالتالي يتم انتخاب رئيس عن طريق «المونة» أي أن الدول المؤثّرة تمون كل منها على فريق لبناني بما يؤدي في نهاية المطاف الى إسقاط إسم مرشح ربما لا يكون على باب أحد.

وتقول هذه الأوساط أن مجيء الرئيس ميشال سليمان كان بتسوية تمّت في الدوحة برعاية إقليمية ومباركة دولية، فهذه المرة يا تُرى أي اتفاق سيأتي بالرئيس الجديد؟

وإذ تضع الأوساط مسألة ترشح قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في دائرة التمريك واللعب بالأعصاب، فإنها ترى أن مجرد ترشح جعجع وإن لم يفز فإنه يعني أنه أصبح مرشحاً دائماً لرئاسة الجمهورية وأنه أصبح ذا فعالية قوية، وبات لديه رأسمال نيابي يمكن أن يستعين فيه عند أي محطة سياسية.

وتلفت الأوساط الى أن المشهد الداخلي وكذلك المشهد الإقليمي والدولي أيضاً يؤكد أنه لم يحن بعد موعد الاستحقاق الرئاسي، وأننا سنصل الى فراغ موجع ربما يستمر أشهراً، مع التذكير الى أن الولاية الممددة لمجلس النواب تنتهي في تشرين الثاني وعلى المسؤولين التصرّف على هذا الأساس قبل أن تقع الواقعة.