على مسافة ساعاتٍ معدودة من الموعد المقرّر لانعقاد جلسة مجلس النواب المخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما زالت الشكوك تحوم بقوة حول إمكانية تمرير الاستحقاق في ظل خلافات داخلية حادة وانقسامات اقليمية عمودية من شأنها أن ترخي بظلالها الثقيلة على المشهد اللبناني الملبد. فصحيحٌ أنّ الدعوة تمّت والعمل جار على قدم وساق لتأمين النصاب القانوني، ولكنّ الأصحّ أنّ الظروف لم تنضج بالكامل، وبالتالي فإنّها ما زالت تعرقل التوافق على رئيس جديد يحظى بالحدّ الأدنى من القدرة على تمرير المرحلة الصعبة، مع الاشارة إلى أنّ الأصوات المحلية والدولية المطالبة بالضغط على الاستحقاق تشدد على توافقية الرئيس المقبل.

وفي هذا السياق، يكشف سياسي قريب من تيار "المستقبل" أنّ المساعي منصبّة على إيجاد سيناريو مثالي يسمح بانعقاد الجلسة ولكن من دون أن تنتهي إلى انتخاب رئيس جديد، أي على قاعدة افتتاح الجلسة ومن ثمّ تطيير النصاب القانوني ما سيدفع برئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الإعلان عن موعد جديد قد يكون بعد أيام وليس أسابيع، وذلك بانتظار المزيد من المشاورات الاقليمية والدولية لبلورة صورة الرئيس قبل التوصل إلى تحديد هويته.

هذا لا يمنع من القول بأنّ الاتصالات الدولية تشهد ذروة التحرك، فالمجتمع الدولي يعمل على الاستفادة من اللحظة السياسية المؤاتية بعد أن خرج الاستحقاق السوري عن السيطرة وتحوّل إلى ملف ضاغط ما يعني بأنّ هناك ضغوطا أميركية لفصل المسار اللبناني عن السوري في مقابل إصرار روسي إيراني على واحد من احتمالين، إما انتخاب رئيس موال لفريق الثامن من آذار أو ترحيل الاستحقاق الى ما بعد انتخابات الرئاسة السورية، اي حتى تموز المقبل في سيناريو مشابه لذلك الذي حصل قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة.

في هذا الوقت، يتوقف المصدر عند الحراك القواتي في مقابل الصمت العوني المطبق، فيعتبر أنّ حظوظ رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون هي الأوفر في حال تمكن بري من تهريب الاستحقاق ولبننته، فالانقسامات الحادة داخل صفوف مسيحيي الرابع عشر من آذار عميقة للغاية خصوصًا بعد إعلان الرئيس الاسبق أمين الجميل عن نيته للترشح باعتباره أكثر اعتدالا وقبولا من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إضافة إلى أنه بدأ بجولة اتصالات اقليمية وعربية تمهيدا لتثبيت ترشيحه، في وقتٍ بدأ الحديث عن اجتماعاتٍ على قدم وساق بين مفاوضين سعوديين وآخرين ايرانيين قد لا تقتصر مفاعيلها على الاستحقاق الرئاسي بل تنسحب على عدد من الملفات بدأت تلوح مؤشراتها مع الافراج الاميركي عن المزيد من الاموال الإيرانية المجمدة منذ عقود.

وفي هذا السياق، تكشف معلومات عن نجاح المساعي العمانية التي يقودها السلطان سعيد بن قابوس شخصيا في فتح قنوات اتصال مباشرة بين المملكة وإيران، وهي مساعٍ أثمرت بعض الترتيبات الادارية التي اتخذتها السعودية بدءا من تكريس واقع العائلة الحاكمة من خلال تعيين ولي عهد ثان، مرورًا بإعادة هيكلة الأجهزة المولجة بمتابعة الملف السوري وليس انتهاءً بإقالة رئيس جهاز الاستخبارات الأمير بند بن سلطان . وبالتالي فان قنوات الاتصال هذه تطرقت إلى الاستحقاقين اللبناني والسوري ما يعني انتظارا لبلورة ما سينتج عن هذه الاتصالات وما إذا كان سينعكس بشكل أو بآخر على جلسة الاربعاء وأجوائها ودلالاتها.